أنس جابر… في مديح هشاشة البطلة العربية

ستكون أنس جابر كل مرة في مواجهة تاريخ طويل للمرأة العربية يجثم على أكتافها رغماً عنها. لقد أتت من مجتمع عربي لا يزال تفاجئه المرأة حين تشق طريقاً نحو المجد. رأيت مرات ذلك التاريخ وهو يخرج مثل وحش فيفسد فرحة أنس.

أنس جابر… في مديح هشاشة البطلة العربية
أنس جابر

بكت لاعبة التنس التونسية أنس جابر كثيراً حين خسرت نهائي دورة ويمبلدون في صيف 2023، حتى أن دموعها كانت مشهداً علق في الأذهان، أكثر حتى من فوز منافستها التشيكية باللقب. ربما لم تكفكف جابر دموعها إلا بالفوز في دورةٍ في الصين منذ أيام، فرغم أن هذا الفوز يأتي في منافسة أقل قيمة من ويمبلدون إلا أنه يمكن أن يرمّم بعض ثقتها في قدرتها على الوصول للقمة وهي التي اقتربت منها كثيراً دون أن تنجح في معانقتها.

لم تكن خسارة ويمبلدون 2023 خسارة رياضية صرفة، فقد سبقتها خسارتان لنهائي إحدى الدورات الكبرى، في ويمبلدون 2022 وفي دورة أميركا المفتوحة في السنة ذاتها. بات مشوار أنس جابر في مثل هذه الدورات أشبه بمأساة سيزيفية تعيشها جابر كل مرة بالوصول إلى آخر خطوة من مشوار صعب وطويل دون بلوغ الهدف.

سبق وأن خسرت جابر أمام منافِساتٍ يتجاوزنها في الترتيب العالمي للاعبات التنس المحترفات، لكنها أخفقت هذا العام وهي تواجه منافسة من خارج التصنيف، أي أن جابر كانت مرشحة بقوة لنسل اللقت، لكن ماركيتا فوندروسوفا وجدت أمامها مُنافسة مهزومة لم تفتأ تقدّم لها الهدايا كي تنتصر. في ذلك اليوم كأنما نسيت أنس كيف تلعب التنس وتكسب المباريات بعد عروض قوية جعلتها تنتصر على أقوى اللاعبات في العالم اليوم للوصول إلى النهائي.

ماذا يحدث حين تصل جابر إلى تلك المرحلة من المنافسات؟ لماذا تنهار أمام حلمها وتتركه مبذولاً سهل المنال لغيرها؟ تلك الأسئلة كثيراً ما تعبر ذهني وأنا أرى صعوبة المسك بإنجاز قريب. فجأة تتوقف كل القدرات الإبداعية للاعبة وتشعر وكأنها تستسلم لقدر لا مفر منه.

ليست أنس جابر في ذلك إلا صورة من امرأة عربية تقطع المسافات الطويلة لتحقيق أهداف غير أنها تظل في النهاية فريسة سهلة لنقاط ضعفها، تلك التي لا تبرز إلا في الأوقات العصيبة لتزيد من العراقيل، وهي ليست قليلة من حولها.

لماذا تنهار أنس جابر أمام حلمها وتتركه مبذولاً سهل المنال لغيرها؟

شاهدت عدداً من هزائم جابر ولمحت تلك النظرة التائهة التي تقول: ماذا يحدث لي؟ ليس الآن أيها التشتت الذهني… لكن توسلاتها لنفسها كثيراً ما تكون متأخرة فالمنافسات سرعان ما ينقضضن على تلك الفجوة من التوهان وينهين حلم اللاعبة التونسية.

شاهدتُ أيضاً عشرات الانتصارات لأنس جابر. إنها تستطيع أن تتعملق، أن تتجاوز ذاتها، وتحسم المباريات بكل اقتدار. كيف تلتقي هذه البطلة بذلك المصير المتكرر عند الخطوة الأخيرة؟ يُحزنني ذلك كثيرا، وأرى أن جابر قد خلقت من حولها حزاماً واسعاً من التعاطف، ليس عربياً فحسب، ليس نسوياً فقط. هي اليوم من القليلتن، والقليلين أيضاً، ممن يفرح الناس لأفراحهم ويحزنون لأحزانهم. لذلك فهزائم أنس جابر وانتصاراتها ليست شأناً شخصياً صرفاً.

لنتذكر أنها لا تتنكر لأصولها التونسية أبداً. كونها تأتي من بلد ليس عريق في رياضة التنس لم يكن سبباً للانكفاء، بل شرفاً إضافياً تفتخر به جابر بكل شجاعة. ورغم انتقادات كثيرة تدعوها إلى تغيير مدرّبها التونسي، وقد بلغت العالمية، تصر هي على الاعتماد على نفس من بدأوا معها المشوار، وكأنها لا تحب أن تحقّق إنجاز الوصول للقمة بعيداً عن أصولها.

وإلى جانب مدرّبها، يحضر مع أنس جابر معدّها البدني وزوجها كريم كمون، وهنا تحضر قصة حبّ معلنة، مكشوفة على الأضواء. فخلال المباريات، كثيراً ما تلتقط الكاميرا تفاعلات الزوج وهو يتقاسم معها لحظات الفرح بالنجاحات والانكسار مع الهزائم. ذلك التناغم بين اللاعبة وزوجها، وتعبيرات الحب المتحرّرة، باتت هي أيضاً عامل تغذية للأسطورة التي نتعاطف معها، كما نتعاطف مع عصفور كي يحلّق.

دورات كثيرة ستخوضها أنس جابر مستقبلاً، وستواجه نفس المنافسات، كما أنها ستكون في كل مرة أخرى في مواجهة نفسها.ستكون في مواجهة تاريخ طويل للمرأة العربية يجثم على أكتافها رغماً عنها، فلقد أتت من مجتمع مثل جميع مجتمعاتنا العربية لا يزال تفاجئه المرأة حين تشق طريقاً نحو المجد. رأيت مرات ذلك التاريخ وهو يخرج مثل وحش فيفسد على أنس فرحتها بما هي جديرة به.

كاتبة وناشطة مدنية من لبنان. من مواليد عام 1994. تقيم حالياً في كندا حيث تدرس العلوم السياسية.

لتصلك أحدث قصصنا على بريدك الإلكتروني
التعليقات
شاركنا رأيك!
لا توجد تعليقات!

قصص رائجة

معذرة, لا يوجد محتوي لعرضه!
قصص قريبة