“الثلاثي جبران”… زيارة جديدة إلى محمود درويش

يتجاوز "الثلاثي جبران"، في جولاتهم الأخيرة، سردية الضحية بالتدريج، فحضور الموسيقى الفلسطينية لا يعني بالضرورة حضور خطاب منطوق حول القضية، بل يمكن تمرير هذه المقولات عبر موجة تلقّي سرّية، تتمظهر عبر البحث عن الإتقان والانشغال بالكوني.

“الثلاثي جبران”… زيارة جديدة إلى محمود درويش
الثلاثي جبران في حفل رام الله (تصوير: عرين ريماوي)

كثيرة هي الحفلات التي قدّمها “الثلاثي جبران” في تجربتهم التي تُغلق بعد عامَين عقدها الثاني. حفلات قادتهم إلى جهات الأرض الأربع، حاملين موسيقى فلسطين كإناء تُقدَّم فيه كامل فلسطين؛ ذاكرةً وقضية ومخيالاً. لكن الحفلات التي يعودون فيها إلى وطنهم تحمل مذاقاً خاصاً، شجناً شبيهاً بما تحمله جُملهم الموسيقية.

لمناسبة ذكرى ميلاد محمود درويش، التي مرّت في 13 مارس/ آذار الماضي، قدّم “الثلاثي جبران” حفلاً في “قصر رام الله الثقافي” قبل الذكرى بيوم، في تحية إلى الشاعر الفلسطيني الذي أتاح للثلاثي أفق انتباه واسع، حين رافقوه في إلقاءاته الشعرية خلال أعوام حياته الأخيرة، بما يتجاوز الثلاثين أمسية تُوّجت بإنجاز ألبوم مشترك صدر في 2007، ويمكن اعتباره علامة فارقة في التقاء الشعر بالموسيقى.

العودة إلى محمود ليست أية عودة، فلا يزال صاحب “مديح الظل العالي” حاضراً في ثنايا التجربة التي تغيّرت ملامحها، لكن الجمهور لا يزال مرتبطاً بالأساس مع تلك الأعمال التي رافقت قصائد مثل “انتظرها” و”لاعب النرد”.

في جولة لهم في فرنسا، نهاية العام المنقضي، كان واضحاً أنّ الإخوة الثلاثة مهجوسون بتقديم موسيقى جديدة تعلن عن خروجهم من جبّة محمود درويش، لكن الأمر ليس من السهولة بمكان مع جمهور يأتي أساساً ليستمتع بمقطوعات مثل “مسار”، و”ربما”، و”شجن”.

لا يزال محمود درويش حاضراً في تجربة الثلاثي التي تغيّرت ملامحها في السنوات الأخيرة

يجمع “الثلاثي جبران” كلاً من سمير (مواليد 1973)، ووسام (1982)، وعدنان (1985). وكانت تجربة الأخ الأكبر قد بدأت في 1996، وقد سبق أن أطلق ألبوماً خاصاً قبل أن يبدأ مشروع التعاون الثلاثي في 2004.

حين برزت التجربة في النصف الثاني من العقد الأول للقرن الحادي والعشرين، كانت تتجاوز، على المستوى الأداء التقني من جهة وبناء الجمل الموسيقية من جهة أُخرى، كل التجارب البارزة وقتها، أساساً تجربتَي العراقي نصير شمّة والتونسي أنور براهم، وكلاهما ذهب إلى اتجاهات أُخرى مع توهّج تجربة “الإخوة جبران” التي زادها رحيل محمود درويش (2008) إشعاعاً، ناهيك عن فكّ الارتباط الوثيق الذي جمع بين قصائد صاحب “أحنّ إلى خبر إلى أمّي” وألحان مارسيل خليفة.

يلتزم الإخوة جبران بألّا تدخل في مشروعهم موضة المزج بين الموسيقى الشرقية والغربية التي يتبنّاها أبرز الموسيقيّين في العالم العربي منذ عقدين على الأقل، فقط تحضر بعض التلوينات الشرقية مع مشاركة عروضهم لعازفين من وسط آسيا.

هم يعرفون أنّ الموسيقى التي نبتت في أرض فلسطين يمكنها أن تختزن العالم، ولذلك فإنّ الاجتهاد كان في هذا الاتجاه. وقد أثبتت نجاحات ألبوماتهم، الأولى خصوصاً، على أن التوغّل في مفردات الذائقة العربية يمكنه إرضاء الأذن الغربية.

كما يستند الفريق على مشهدية سهّلت ترويج فنّهم، وهي مشهدية تعتمد على عنصرين؛ الأوّل بصري عبر توزيع ضوئي خاص يرافق معزوفاته، والثاني موسيقي – أدائي، يتجّلى في اقتراح هارمونية الأعواد الثالثة، وفي وصلة العزف الثلاثي على عود واحد، والتي تحضر في كل حفل كنوع من التوقيع الأشبه باللعب الأكروباتيكي.

أيضاً، يتجاوز “الثلاثي جبران”، في جولاتهم الأخيرة، سردية الضحية بالتدريج، فحضور الموسيقى الفلسطينية لا يعني بالضرورة حضور خطاب منطوق حول القضية، بل يمكن تمرير هذه المقولات عبر موجة تلقّي سرية، تتمظهر عبر البحث عن الإتقان والانشغال بالكوني.

كاتبٌ مِن مواليد الجزائر عام 1995، يكتب القصّة القصيرة ويهتمُّ بالثقافة وبقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، يُقيم في فرنسا حيث يتابع دراسته في علوم الكمبيوتر وتقنية المعلومات.

لتصلك أحدث قصصنا على بريدك الإلكتروني
التعليقات
شاركنا رأيك!
لا توجد تعليقات!
قصص قريبة