“السوبر ليغ”… كرةٌ أوروبية على حافة الهاوية
(عددٌ مِن مشجّعي "تشيلسي" يرفعون لافتات ضدّ "السوبر ليغ"، 20 أبريل 2021 - تصوير: جاستن تاليس، فرانس برس)

“السوبر ليغ”… كرةٌ أوروبية على حافة الهاوية

تخلَّص الاتحاد الأوروبي لكرة القدم مؤقَّتاً من شبح "السوبر ليغ"، لكنّه لم يتخلّص من مشاكله المالية، وهو ما قد يدفعه مستقبَلاً إلى البحث بنفسه عن "سوبر ليغ" جديدة… وقد يطلب حينها مشورَة العقل الاقتصادي الأوّل في عالَم الرياضة: فلورنتينو بيريز رودريغيز!

مع إعلان ثمانية أنديةٍ مِن أصل اثنتَي عشر نادياً مؤسِّساً لدَوري “السوبر الأوروبي” انسحابها رسمياً مِن البطولة، بدا أنَّ الفكرةَ التي شغلت الأوساط الرياضية طيلة يومَين، وستشغلها طويلاً، قد طُويت إلى غير رجعة. غير أنَّ كلَّ ما حدث في الساعات القليلة الماضية يُمثِّل مؤشِّراً جديداً إلى أزمةٍ مستحكِمة في “الاتحاد الأوروبي لكرة القدم”، وإلى أنَّ الأخير قد يُواجِه أزماتٍ شبيهةً في المستقبَل.

فكرة قديمة

رغم أنّها حملت مسمّىً جديداً، فإنَّ الفكرةَ التي أعلن عنها رجُل الأعمال الإسباني ورئيسُ نادي “ريال مدريد”، فلورنتينو بيريز (1947)، خلال مقابلةٍ تلفزيونية أوّل أمس الثلاثاء، ليست جديدةً تماماً؛ إذ سبق طرحُها نهايةَ الثمانينيات، وكان الهدفُ المعلَن منها، حينها، هو توسيع مداخيل الأندية الكُبرى والمستثمرين في عالَم كرة القدم.

لم يتحقَّق شيءٌ مِن ذلك. لكنَّ بيريز سيُعيد إحياء الفكرة عام 2001، كواحدٍ مِن أحلامه، ثمّ يعود ليُذكِّر بها عام 2009. حينها، صرَّح مدرِّب نادي “أرسنال” السابق، آرسين فينغر، بأنَّ الفكرةَ ستُصبِح واقعاً في غضون عشر سنوات.

وبعد قرابة عشر سنوات، ها هي الفكرة تعود إلى الظهور مُجدَّداً، وقد اتّخذت هذه المرّةَ صيغةً أكثر وضوحاً وبدت قاب قوسٍ مِن التجسيد، بعد أنْ تكفَّل مصرف “جي بي مورغان” الأميركي بمهمّة رعايتها.

كيف ولماذا؟

تُمثّل “السوبر الأوروبي”، وفق الصيغة المعلَن عنها، منافسةً تتكوَّن مِن عشرين نادياً، بينها خمسة عشر نادياً دائمِ العضوية هُم كبريات النوادي الأوروبين، وخمس أنديةٍ يجري اختيارُها بشكلٍ سنوي للالتحاق بالبطولة التي تجري عبر مرحلتَين: الأُولى على شكل دوري، والثانية بالنظام الإقصائي.

وتتلقّى النوادي التي تنضمّ إلى البطولة تمويلاً في شكل قرض طويل الأجل بقيمة 400 مليون دولار أميركي، إضافةً إلى جوائز تصاعُدية عن كلِّ دور تجتازه، بما يجعل قيمة الاستثمار الكلّي في حدود خمسة ملايير دولار.

ويبدو أنَّ ثمّة ثلاثة عوامل رئيسية أسهمت في إنشاء “السوبر ليغ”؛ أوَّلُها توفُّر إمكانياتٍ جيّدة للاستثمار في عالَم الكرة؛ فالرياضة الأشهر عالمياً لا يزال بإمكانها مضاعفةُ عائداتها المادية في حال صياغة مشاريع مناسبة لها، تقوم فقط على المنطق الاقتصادي.

يتمثّل ثاني تلك العوامل في “فقر” جوائز “الشامبيونزليغ”، والتي تتراوح بين 90 و120 مليون يورو، وهو مبلغ بسيطٌ جدّاً قياساً بمصاريف وحاجيات النوادي الكبرى التي تخوض هذه البطولة. يُمكن التدليل على ضآلة هذا المبلغ بالإشارة إلى أنَّ الفائز في الدوري الإنكليزي الممتاز، العام الماضي، نال ما قيمته 150 مليون جنيه إسترليني، أي ما يُعادِل 182 مليون دولار أميركي (1). وبمعنىً آخر، فإنَّ قيمةَ المنافسَة المحلّية في المملكة المتّحدة أكبرُ بكثير من قيمة أكبر منافسة أوروبية، والفوزُ في الدوري الإنكليزي الممتاز أكثرُ فائدةً، مِن الناحية المادية، مِن الفوز في أعرق البطولات الكروية.

يُضاف إلى ما سبق عامِلٌ ثالث يتمثَّل في المديونيات الكبرى التي تجتاح ميزانيات أكبر الأندية، بسبب الخسائر الناجمة عن فيروس كورونا المستجدّ وتداعياته، وهي خسائر بلغت 3.6 مليار يورو، أي ما يُعادِل 4.3 مليار دولار (2).

هذه العوامل جعلت النوادي الأوروبية، والكبرى منها خصوصاً، في حالة عجز مالي كبير، ودفعتها إلى القبول بأيّ عرضٍ يمكنه إخراجها مِن أزمتها في القريب العاجل. وبالتأكيد، فقد جاء عرضُ “جي بي مورغان” في الوقت المناسِب، ليُقدِّم لها كلَّ ما تحتاجه: مالٌ نقدي فوري، ومسابَقة بأرباح خيالية يُمكنها أن تُخرجها بسهولةٍ من أزماتها الحالية والمستقبلية.

زلزال رياضي… وسياسي

عندما طَرَح فكرة “السوبر ليغ”، كان هدف المتحدِّث باسمها، فلورنتينو بيريز، أن يُصلِح الخللَ المالي الماثل في نظام “الشامبيونزليغ”، والضبابية الكبيرة التي ينطوي عليها نظام المنافسَة المستقبلي. وإذا كان البعض يرى أنَّ رجُل الأعمال الإسباني بيريز طرح “السوبر الأوروبي” باعتبارها حلّاً وحيداً؛ فالواقعُ أنَّ هذا ليس ما ذهب إليه؛ إذ أوضح في لقائه مع “التشيرينغيتو”؛ البرنامجِ الرياضي الشهير في إسبانيا، اعتراضاته على الفشل الاقتصادي والتنظيمي للاتحاد الأوروبي لكرة القدم الحالي، وطالَب بنظام أكثر عدالةً ومراعاةً لحقائق الوضع الاقتصادي.

في مقابل ذلك، ثارت أطراف كثيرة في عالَم الرياضة على المشروع مِن منطلقات مختلفة؛ فالاتحاد الأوروبي لكرة القدم رأى أنَّ المنافَسة المقترَحة ستسحب منه درّة تاجه، ولن تجعل له أيَّ معنىً مستقبَلاً. أمّا الاتحاد الدولي (الفيفا)، فرأى أنَّ القبول بأنْ تُؤسِّس الأنديةُ منافسات تُديرها بنفسها يعني فقدانه مركزيته الإدارية في عالَم الكرة، بينما رأت بقيّة الأندية أنَّ “السوبر ليغ” ستضخّ المال في فرَقٍ محدّدَة وتحرم منه فرِقاً أُخرى.

وعلى صعيد الدول (بريطانيا خصوصاً)، فثمّة قناعةٌ بأنَّ خلق منافسة كُبرى جديدة يعني أنَّ الدوريات المحلية ستفقد أهميتها، وهو ما سيُلحِق ضرراً بالغاً باقتصادياتها. لنذكُر، على سبيل المثال، أنَّ الدوري الإنكليزي الممتاز يدفع سنوياً 3.3 مليار جنيه إسترليني للخزينة العامة، ويساهم بـ 7.6 مليار جنيه إسترليني في الناتج الداخلي الخام، ويُوفِّر 12 ألف وظيفة مباشرة، إضافةً إلى 100 ألف وظيفة غير مباشرة، ويجلب سنوياً 700 ألف سائح لمبارياته (3).

فلورنتينو بيريز

(فلورنتينو بيريز)

وهكذا، فقد اجتمعَت جهود جميع المعارضين، مِن رؤساء منظّمات رياضية وملّاك أندية وساسة، لوقف “السوبر ليغ”، ووصل الأمر برئيسَي الاتحادَين الأوروبي والدولي لكرة القدم إلى التهديد بعقوباتٍ قاسية ضدّ القائمين على البطولة المقترحة والمشاركين فيها.

لكن، هل يريد بيريز تفجير عالَم كرة القدم؟ لقد قاد رئيس “ريال مدريد” سياسية تفاوضية معروفة باسم “حافة الهاوية”، وهي سياسةٌ تعتمد على التظاهُر بالذهاب إلى أبعد مدىً، لكن مع ترك باب مواربٍ للتفاوض. ورغم الهجوم الشديد الذي ناله، فالواقع أنَّ الاتحاد الأوروبي يفهم أن مطالبه مشروعة، وأنَّه مضطرٌّ للتفاوُض معه لتعديل وضع الكرة المختلّ.

ماذا بعد؟

في نظر جماهير كرة القدم، يبدو انسحابُ الأندية الإنكليزية مِن “السوبر الأوروبي” فشلاً ذريعاً للبطولة الجديدة. غيرَ أنَّ الواقع قد يكون عكس ذلك تماماً. صحيحٌ أنَّه جرى تعليق المسابقة (لا إلغاؤها) حسب بيان مؤسِّسيها، لكنَّ الصحيح أيضاً أنَّ تداعياتها، السلبية والإيجابية، ستبدأ بالظهور قريباً.

إيجاباً، إذا تحقَّق مشروع الاتحاد الأوروبي لكرة القدم الجديد الذي يرمي إلى إنشاء نظام منافسة مبتكَر تدور ميزانيته المستهدَفة عند أفق سبعة مليارات دولار (4)، ويحاول الاستجابة لمطالب الأندية الكبرى (لا يزال المشروع قيد التفاوُض مالياً وتنظيمياً).

وسلباً، إذا لم تجرِ الاستجابة لمطالب الأندية الكُبرى. حينها، ستكون هذه الأندية قد على شفير الإفلاس أو الدخول في دوّامة لا نهاية لها مِن الاستدانة وإعادة هيكلة الاستدانة، وهو أمر سيقضي عليها وسيؤدّي إلى انهيار عالَم الكرة كما نعرفه.

لقد تخلَّص الاتحاد الأوروبي لكرة القدم مؤقَّتاً من شبح “السوبر ليغ”، لكنّه لم يتخلّص من مشاكله المالية، وهو ما سيدفعه إلى البحث بنفسه عن “سوبر ليغ” جديدة… وقد يطلب حينها مشورَة العقل الاقتصادي الأوّل في عالَم الرياضة: فلورنتينو بيريز رودريغيز!

صحافي جزائري مقيم في قطر، عَمِل في صحيفتَي “الشروق” و”المحقِّق” بالجزائر، و”الشرق الأوسط” اللندنية و”العرب” القطرية. يعملُ حالياً في قناة “بي إن سبورتس” بالدوحة.

لتصلك أحدث قصصنا على بريدك الإلكتروني
التعليقات
شاركنا رأيك!
  • Nawel
    22 إبريل 2021 | 05:10

    مقال جميل جدا ما كنت فاهما والو في جد السوبر الليغ كي قريت مقالك توضحت الأمور
    شكرا

قصص رائجة

معذرة, لا يوجد محتوي لعرضه!
قصص قريبة