المرأة ويومُها العالمي… جولة في متاهة الفسيفساء النسوية

مشهد فسيفسائي ضخم تقدّمه الحركة النسوية اليوم؛ إذ لم تعد هناك حركة واحدة وإنما حركات. تبدو النسوية وكأنها قد أفلتت من بين أيدي الجميع، بمن فيهم الناشطات، هنا جولة في هذا المشهد في "اليوم العالمي للمرأة".

المرأة ويومُها العالمي… جولة في متاهة الفسيفساء النسوية
غرافيتي نسوي في الأرجنتين

في الثامن من مارس/ آذار 1914، نظّمت الصحافية والمناضلة الماركسية الألمانية كلارا زيتكين مظاهرة للمطالبة بحق التصويت في الانتخابات (وهو ما سيتحقّق في 1918). قبل ذلك بسنوات، وتحديداً عام 1910، كانت زيتكين قد دعت إلى “يوم عالمي للمرأة” ضمن أشغال “مؤتمر الأممية ” الذي أقيم في كوبنهاغن، باعتبار أن حقوق النساء ينبغي أن تكون “مرئية” ضمن المعركة الأوسع للطبقة العاملة فلا تكون مجرّد مطمح فرعيّ.

لم تتقدّم الأمور كثيراً مع مبادرة زيتكين سيّما وقد انهمك العالم في دوامة الحرب العالمية الأولى، ولكنها قد جعلت من حقوق النساء جزءاً لا يتجزّأ من معارك التحرير. وبالفعل، يجري التأريخ للحركة النسوية انطلاقاً من الأنشطة التي كانت زيتكين تديرها في ألمانيا، وحين أصبحت فكرة يوم عالمي للمرأة ناضجة، جرت العودة إلى المسيرة التي نظّمتها زيتكين باعتبارها لحظة مفصلية في دمج المطالب السياسية والنسوية.

كثيرة هي تواريخ “اليوم العالمي للمرأة” حتى عام 1977، أي حين أقرّت منظمة “الأمم المتحدة” هذا الموعد السنوي لإحيائه. قبل ذلك، كان كل بلد يعود إلى تاريخ مرجعي خاص به للاحتفال بـ”عيد” للمرأة” ونضالاتها. كان يمكن أن يكون “اليوم العالمي للمرأة” ذو مرجعية أميركية أو فرنسية أو مصرية، ففي هذه البلدان دارت مظاهرات نسائية لا تقل أهمية من المسيرة الألمانية.

ليس هناك حركة نسوية واحدة بل حركات، أحياناً نجد أنها تتصارع في ما بينها

في الأثناء، أي بين تحرّكات زيتكين وإقرار يوم عالمي للمرأة، جرت مياه كثيرة، تحوّلت حقوق النساء إلى مسألة نضالية وفكرية من الدرجة الأولى. ومن 1977 إلى أيامنا، لم يعد يوجد مجال من مجالات الحياة ليس للنسوية رأي فيه، من الأدب إلى التاريخ، ومن الفكر إلى البورنوغرافيا. كل شيء قابل لإعادة الكتابة من منظور نسوي.

من موقعنا اليوم، أصبحت النسوية محيّرة، من الصعب الإمساك بها، أو فهمها. حتى التأريخ لها كثيراً ما يبدو مشوّشاً. هل حقاً بدأ النضال من أجل حقوق المرأة في نهاية القرن التاسع عشر؟ هل تنحصر الحركة النسوية في مساهمات النساء؟ وأكثر من ذلك: ما هو طموح الحركة النسوية؟ وهو سؤال سنجد له العديد من الإجابات ضمن طيف واسع من التفريعات التي عرفتها الحركة. لعلّ مراجعة في تاريخ الحركة تجعلنا نفهم أين نحن اليوم.

أسهل طريقة للمسك بتاريخ النسوية هو ما يعرف بتقسيم “الثلاث موجات”. تمثّل الموجة الأولى (من القرن التاسع عشر إلى “ثورة مايو 68”)، مرحلة الاشتغال على تغيير القوانين الظالمة للمرأة بفرض مبدأ المساواة في حقوق مثل التصويت والعمل.

بالاستناد إلى حركة “ربيع الطلاب” (باريس 1968)، أخذت الحركة النسوية بعداً تحريرياً أشمل. لم تعد مجرّد مطالبات بالمساواة، بل صارت تحدوها رغبة في إنصاف المرأة تاريخياً واجتماعياً وقطع الطريق على كل انتكاسة ممكنة، بالعمل على تغيير الذهنيات وليس القوانين وحدها.

هنا، جرى الاعتماد على تنظيرات المفكرة الفرنسية سيمون دوبوفوار في كتابها “الجنس الثاني” (1949)، ولكن بالخصوص على كتاب “السياسات الجنسية” (1970) للباحثة الأميركية كايت ميليت، وهما العملان اللذين يمثّلان إلى اليوم “الكتب المقدّسة” للحركة النسوية.

إنه انفجار تنظيري وهيكلي. هل تراه يخدم طموحات الحركة النسوية؟

أخيراً، تبدأ الموجة  الثالثة في تسعينيات القرن الماضي، حين اندمجت الحركة النسوية في أطر مُهيلكة ضمن نموذج المنظمات العابرة للقارات. وبات الأمر هنا أقرب إلى سياسات ضغط، وأحياناً عن نزعة هجومية لدى الناشطات النسويات، حتى بدأ الحديث عن الرجل باعتبار “الجنس الأضعف الجديد”.

في المحصّلة، نجد اليوم مشهداً فسيفسائياً مشتظّياً. ليس هناك حركة نسوية بل حركات. أحياناً نجد أنها تتصارع فيما بينها، وكثيراً ما تظهر بين الناشطات النسويات تهم متبادلة بأن هذه المنهجية أو تلك لا تخدم القضية النسوية. وقد راج في السنوات الأخيرة مفهوم “النسوية السيئة”، خصوصاً بعد صدور كتاب بهذا العنوان للباحثة روكسان غاي في 2014.

لقد أفلتت النسوية من بين أيدي الجميع، حتى الناشطات فيها، حتى المشتغلون والمشتغلات على تاريخها. من الصعب التصديق أن هذا التوجّه الذي بدا محتشماً حتى منتصف القرن العشرين قد أصبح على ما هو عليه اليوم.

نتحدثّ عن نسوية راديكالية وأخرى إصلاحية، ونسوية اشتراكية مقابل نسوية ليبرالية. وللمحلّلة النفسية البلغارية الفرنسية جوليا كريستيفا مدرستها، وكذلك الروائية الكندية مارغريت آتوود رغم أنها لم تكتب عملاً تنظيرياً واحداً. وهناك ثيولوجيا نسوية، وحركة نسوية فوضوية، وأُخرى ما بعد استعمارية أو إيكولوجية.

إنه انفجار تنظيري وهيكلي. هل تراه يخدم طموحات الحركة النسوية؟ وقبل ذلك هل يخدم مصالح النساء… كل نساء العالم.

كاتبة وناشطة مدنية من لبنان. من مواليد عام 1994. تقيم حالياً في كندا حيث تدرس العلوم السياسية.

لتصلك أحدث قصصنا على بريدك الإلكتروني
التعليقات
شاركنا رأيك!
لا توجد تعليقات!

قصص رائجة

معذرة, لا يوجد محتوي لعرضه!
قصص قريبة