يعود “بينالي الشارقة” في نسخته الخامسة عشرة، في الفترة ما بين 7 فبراير/ شباط و11 يونيو/ حزيران 2023؛ ليُجسِّد رؤية الباحث والناقد النيجيري الراحل أوكوي إينوزور (1963 – 2019)، وما أحدثته أفكارُه وتصوّراتُه من أثر هائل على الفنّ المُعاصر، والتي أفضت إلى صياغة مشروع فكري طموح رسَم معالم تطوُّر الكثير من المؤسَّسات والبيناليهات حول العالم.
تحت شعار “التاريخ حاضراً”، وانطلاقاً من طروحاتِ إينوزور الشهيرة حول الشتات والهجرة والتحرُّر من الاستعمار ومآلات الحداثة ما بعد الكولونيالية وغيرها، تستدعي التظاهُرة مفهوم “التاريخ” وتعيد صياغته، في مسعىً لوضع الماضي في سياق اللحظة المعاصرة، من خلال تبنّي منهجية عملية تُعلي من “البديهي” جنباً إلى جنب مع “المعرفي”.
وقالت حور القاسمي قيِّمةُ البينالي ورئيسة “مؤسَّسة الشارقة للفنون”: “شكلّت النسخة الحادية عشرة من معرض ديكيومنتا، التي قيَّمها أوكوي إينوزور قبل عقدين من الزمن، وقدَّم فيها مفهومه الجذري حول موضوعة ما بعد الاستعمار؛ محطّةً رئيسيَّةً غيّرت منظوري الخاص حول التقييم الفنِّي، وخاصّة رؤيته المتمثّلة في التفكير تاريخياً في الحاضر، والتي كوَّنت الإطار المفاهيمي لهذه النسخة من ‘بينالي الشارقة’، وذلك عبر تأمُّل ماضي المؤسَّسة وحاضرِها ومستقبلِها”.
ما بعد الاستعمار
يركز “بينالي الشارقة” 15 على ماضي الشارقة الحيّ، في عالم متعدِّد الثقافات وعابر لها، من خلال ما يزيد عن 300 عمل فنِّي لأكثر من 150 فنَّاناً ومجموعة فنّية من جميع أنحاء العالم، حيث يجري تنصيب هذه الأعمال في خمسِ مدُن على امتداد الإمارة.
من الفنانين المشاركين في الدورة: باسل عباس، وروان أبو رحمة، ميثاء عبد الله، وفتحي عفيفي، هدى أفشار، جون أكومفرا، هانجاما أميري، وبروك أندرو، مالالا أندريا لافيدرازانا، ورشدي أنور، وقادر عطية، وأو سو يي، ودانا عورتاني، وعمر بادشة، وناتالي بول، وسامي بالوجي، وميرنا بامية، وبابلو بارثولوميو، وريتشارد بارثولوميو، وشيراز بايجو، وبحر بهبهاني، وأسماء بلحمر، وريبيكا بيلمور، وبلاك غريس، وديدريك براكنز.
وعمَد الفنانون المشاركون إلى تطوير ممارساتٍ نقدية للمفاهيم “الأحادية” للنَّزعة الوطنية والتقاليد والعرق والجندرية والجسد والخيال، ولتندرج هذه الروح النقدية في ثيمة البينالي وتقاطعاتها، فمفاهيم الذات، والجسد بوصفه مستودعاً للذكريات، والنظرة العنصرية، والاستمرارية عبر الأجيال، والحداثات الكونية، والتأصيل، وتفكيك الاستعمار؛ كلُّها مقاربات تصبُّ في رؤية إينوزور لمرحلة ما بعد الاستعمار فنِّيَّاً، والتي يتّخذ منها فنّانون معاصرون ينتمون إلى ثقافات متنوّعة (أكثر من سبعين بلداً) منطلَقاً لأعمالهم، ويقدِّمون نماذج على امتدادِ 16 موقعاً في إمارة الشارقة تعيد تصوّر التاريخ والحاضر بشكل نقدي، متّخذين وجهات نظر متفرّدة تؤسّس لروابط بين المناطق الجغرافيا والتاريخ والممارسات الفنية.
ثلاثة عقود
تصادف هذه النسخة من البينالي مرور ثلاثين عاماً على نسخته الأولى، وتشكّل فرصة فريدة لتأمُّل إرثه الثقافي وتأثيره التاريخي، والإمكانيات الفنّية التي أتاحها، ودوره في وضعِ الشارقة على خارطة الخطابات الفكرية والفنّية العابرة للحدود من جهة، وكونه يمثّل لحظة مفصلية تتيح للمؤسّسة تأمُّل مسارها المؤسَّسي وفقاً لموقعها الجيوسياسي الفريد، ومواصلة التزامها تجاه الجمهور المحلّي في الإمارات من جهة أُخرى، وذلك عبر الأنشطة التعليمية والبرامج المصاحِبة التي تتضمَّن عروضاً أدائية وموسيقية وسينمائية.
كما يقتفي “بينالي الشارقة” 15 خُطى دوراته السابقة، ويتأسّس على نسختيْ 2021 و2022 من لقاء مارس- ملتقى مؤسّسة الشارقة للفنون السنوي للفنانين والقيّمين والممارسين الفنّيين المكرّس لاستكشاف أبرز القضايا في الفن المعاصر- واللّتين جاءتا كمقدِّمة عامَّة للبينالي.
عاين “لقاء مارس 2021: تجليات الحاضر” تاريخ بينالي الشارقة ومستقبل نموذج البينالي عموماً، في حين ناقش “لقاء مارس 2022: متحوّرات ما بعد الاستعمار” إرث الاستعمار وآثار ما بعد الاستعمار والتأثيرات المعاصرة للقضايا المرتبطة بالممارسات الثقافية والجمالية والفنية في جميع أرجاء العالم.
وفي غضون “بينالي الشارقة” 15، سيواصل “لقاء مارس 2023” المزمع إقامته في الفترة ما بين 9 و12 مارس/ آذار 2023، استكشاف موضوعات البينالي وثيماته المتنوّعة.
ويُعدّ “بينالي الشارقة” منصّة دولية للعرض والتجريب لفنانين من المنطقة وخارجها. منذ عام 1993، قام البينالي بتكليف وإنتاج وتقديم أعمال تركيبية عامَّة ضخمة، وعروض أداء، وأفلام لفنّانين من مختلف أنحاء العالم، ممّا جلب مجموعة واسعة من الفنون المعاصرة والبرامج الثقافية والمنتجين للمجتمعات في الشارقة والإمارات والمنطقة.