جيلٌ جديدٌ من المصمّمين في مواجهة جيش من البيروقراطيّين والرديئين
ثمّة المئات من التصاميم التي يتفوّقُ كثيرٌ منها على التصميم الفائز، والذي سيتبيَّن بعملية بحث بسيطة بأنّه مأخوذٌ حرفياً من تصميم سابق، وهو ما يضرب "لجنةَ التقييم" والمسابقة برمّتها في مقتل.
في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أطلقَت شركة استغلال الموارد البترولية في الجزائر، سوناطراك، مسابقةً لاختيار شعار رسمي للاحتفال بذكرى تأسيسها الستّين في 31 ديسمبر/ كانون الأوّل 2023، مُعلنةً عن تخصيص جوائز مالية للفائزين الثلاثة الأوائل، تبلغ قيمة الجائزة الأُولى مليون دينار جزائري (مئة مليون سنتيم)؛ وهي قيمةٌ جيّدة بالمقارنة مع ما تمنحه مسابقاتٌ وطنية أُخرى.
حُدّد الخامس من ديسمبر/ كانون الأوّل الماضي آخرَ أجل للمشارَكة في المسابقة التي قالت الشركةُ إنّها “تهدف إلى إحياء الذكرى من خلال هوية مرئية خاصّة بالحدث، تحمل إبداعاً فنّياً متميّزاً يرقى إلى مستوى تطلّعات سوناطراك”. لكنّ الإقبال الكبير للمصمّمين على المشاركة سيدفع القائمين على المسابقة إلى تمديد آجال المشاركة فيها إلى 12 ديسمبر/ كانون الأوّل.
اليوم الخميس، أعلنت “سوناطراك” عن الشعار الفائز في المسابقة، والذي قالت إنَّ “لجنة التقييم المنصَّبة لانتقاء أحسن التصميمات” اختارته من بين أكثر من5430 تصميماً.
وذكرت الشركة، في بيان على صفحتها في فيسبوك، أنَّ نتائج المسابقة أفضَت إلى انتقاء تصميمَين فقط “يستجيبان لشروط المسابقة، ويرتقيان لمستوى هذا الحدث الذي يرسم محطّةً من المحطّات التاريخية لسوناطراك”، في حين جرى حجْبُ الجائزة الثالثة بسبب “انعدام مشاركاتٍ ترقى لمستوى هذا الحدث”.
أوّلُ ما يلفتُ في بيان “سوناطراك” هو غيابُ أيّة إشارةٍ إلى هويات أعضاء “لجنة التقييم” المكلَّفةِ باختيار التصاميم؛ فالحدُّ الأدنى من النزاهة والشفافية والمصداقية في أيّة مسابقةٍ يتطلّبُ الكشف عن أسماء لجنةِ التحكيم وسيَرهم الذاتية، لمعرفة ما إذا كانوا أهلاً للحُكم بشكلٍ نزيه على الأعمال المشاركة، وما إذا كانوا مِن أهل الاختصاص أصلاً.
أمّا ثاني ما يلفت في البيان، فهو حجْبُ الجائزة الثالثة بحجّة “انعدام مشاركاتٍ ترقى لمستوى هذا الحدث” ضمن المشاركات الكثيرة التي تجاوز عددُها خمسة آلاف مشارَكة، في حين تكفي جولةٌ سريعة في بعض المواقع الخاصّة بالغرافيك ديزاين، مثل “بيهانس”، للاطّلاع على المئات من التصاميم التي يتفوّقُ كثيرٌ منها على التصميم الفائز نفسه، والذي سيتبيَّن بعملية بحث بسيطة بأنّه مأخوذٌ حرفياً من تصميم سابق، وهو ما يضرب “لجنةَ التقييم” والمسابقة برمّتها، في مقتل.
يكشفُ العددُ الكبير من المشاركات في مسابقة “سوناطراك”، والتي نُشر كثيرٌ منها على الإنترنت، عن سوء فهمٍ للمسابقة؛ حيث عَمد كثيرون إلى تصميم شعارات جديدةٍ للشركة، بينما كانَ المطلوبُ تصميمُ شعار رسمي للاحتفال بذكرى تأسيسها الستّين.
يُفسَّر ذلك بعدمِ وضوح صياغة إعلان المسابقة؛ حيث فهم كثيرون أنّ الشركةَ تُفكّر في الاحتفال بذكرى تأسيسها الستّين بشعارٍ وهوية بصرية جديدَين، وليسَ بمجرّد شعارٍ مناسباتي، وهو ما يُفترَض؛ إذ تحتاج “سوناطراك” فعلاً إلى هوية بصرية جديدة، جذّابة وعصرية. وربّما كان المبلغُ المخصَّص للجوائز الثلاث كافياً لتحقيق ذلك. لكنّ للقائمين عليها رأيٌ آخر.
لكنّ ذلك يُفسَّر، أيضاً، بظهور جيل جديد من المصمّمين المبدعين الذين يتحمّسون لأيّة بادرة لتغيير الرداءة البصرية التي تضرب المؤسَّسات العمومية (والخاصّة أيضاً). فـ”سوناطراك” لا تختلف في شيء عن غيرها مِن المؤسَّسات العمومية (سونالغاز، اتصالات الجزائر، التلفزيون الجزائري، الإذاعة الجزائرية… إلخ) التي لم تفهَم بعدُ شيئاً اسمه “الهوية البصرية”، في عالَم لا يتوقَف عن التطوُّر والتغيُّر، بينما لا تزال، هي، تخضعُ لجيوشٍ من البيروقراطيّين والرديئين.
في أوت/ آب 2020، أطلق التلفزيون الجزائري مسابقةً لاختيار شعارٍ جديد لقنواته. اقترح مصمّمون مئات من الشعارات الجيّدة، ثمّ أَعلن في يناير/ كانون الثاني من العام التالي عن اختيار ثلاث شعارات بشكل مبدئي، لكنَّ المسابقة توقَفت عند ذلك. لا يزال الشعارُ القديمُ قابعاً على شاشات التلفزيون العمومي، ومعه شتّى صنوف الرداءة البصرية.
كاتب وصحافي جزائري ومؤسّس موقع “رحبة”. من مواليد 1983. بدأ الكتابة الصحافية مدوّناً في 2005، قبل أن يعمل في عددٍ من المؤسّسات الصحافية الجزائرية والعربية، بين الصحافة المكتوبة والإذاعة والتلفزيون. صدرت له مجموعة قصصية في 2008، ورواية في 2013.