
في الظاهر، يبدو مجرّدَ فيلم كارتوني للأطفال، ممّا تنتجه اليابان بانتظام، حيث أنّ أبطاله فتيانٌ وفتيات في الصفّ الإعدادي. لكن حضور الأطفال في فيلم “حرب الأيام السبعة” (2019) هو مثل حضور الحيوان في “كليلة ودمنة”، على سبيل المثال، فمِن وراء هذا الحضور نتبيَّن قضايا في غاية الخطورة حول السلطة ومفهوم الصدق وتحوّلات أشكال العلاقات العاطفية وموقع وسائل التواصل الاجتماعي في حياتنا.
تدور القصة في جزيرة هوكايدو. يُضيء المشهد الأوّل مجموعة من التلاميذ في نهاية العام الدراسي، أحدُهم راوي الأحداث، مامورو، والذي يتميّز عن رفاقه بحُبّ هوسي لقراءة كُتب التاريخ. في ذلك المشهد الافتتاحي، كان يتعرّض لسخرية زملائه حين وجدوه في مفتتح العطلة يقرأ عن الحرب الفرنسية الألمانية التي سُمّيت “حرب الأيام السبعة”. لم يكن يعلم أنه سيخوص مثل هذه “الحرب” بعد أيام.
باعتماد هذا الربط الضمني، ينقسم الفيلم إلى سبعة أجزاء/ أيام. في أوّل هذه الأيام، يكتشف مامورو أنّ زميلته في الدراسة، آيا، والتي يُحبّها خفيةً، ستنتقل أسرتها للعيش في طوكيو ضد رغبتها. مدفوعاً بحبّه لها، يقترح عليها الاختباء يوم الرحيل في مكان خارج المدينة يقع فيه مصنع مهجور. كان يودّ اقتناص خلوة معها ليعلن حبّه وقد اشترى لها هدية، لكن آيا عرضت الفكرة على بقية زملائها مُحوِّلة تخطيط مامورو إلى مغامرة مختلفة.
يبدو كل شيء عادياً إلى حد الآن لولا معطيان، الأول أنّ والد آيا رجل نافذ (نائب برلماني عن المدينة)، وحين بدأ الرفاق مغامرتهم اكتشفوا أن المكان غير مهجور، حيث يقطنه طفل تعرَّض يوم وصولهم إلى مطارَدة من رجُلين، وقد تضامن الأصدقاء بشكل عفوي معه فأنقذوه منهم، ولم يعلموا أنّ الرجُلين من “مصلحة الهجرة” وكانا بصدد أداء مهمة رسمية.
يصوّر الفيلم، الذي أخرجه موتا مورانو، الصدام بين عالمَي الأطفال والكبار من زاوية الأفكار المغلوطة
هكذا ارتسمت عقدة الأحداث اللاحقة. لقد وجد الأطفال نفسهم متورّطين في عمل غير قانوني، لكنهم بعد تجاذبات بينهم، قرّروا مواصلة التضامُن مع الطفل التايلندي، فحصّنوا المكان مِن كل مداهمة، حتى إذا جاءت التعزيزات في “اليوم الثاني” لم يكن هناك منفذ لاختراق المصنع، وأكثر من ذلك صَوَّر الأطفال الخمسة فشل رجال “مصلحة الهجرة” والمواقف المضحكة التي تعرّضوا لها، ثم نشروا ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي، ما خلق حدثاً حبس أنفاس المدينة.
يضعنا الفيلم في منطقة الصدام بين عالَمي الطفولة وعالَم الكبار. حسابات هؤلاء وأولئك مختلفة تماماً. كثيراً ما يصوّر الفيلم، الذي أخرجه موتا مورانو، هذا الصدام من زاوية الأفكار المغلوطة؛ ففي الوقت الذي يُشيطن فيه الأصدقاءُ عالَم الكبار، نفهم أنّ هؤلاء يبحثون عن إمساك الصبي الهارب من دون أي أذى بالأطفال الذين لا يتورّعون في استعمال كلّ أسلحتهم.
أيضاً، يصعد الوعي بالمفارقة بين عالَمي الأطفال والكبار إلى عقول الأصدقاء المغامرين بالتدريج، وفيما يؤكّدون أنّهم كرهوا نسيج الكذب الذي يلف العالم حولهم، العالَم الذي يتحكّم فيه الكبار، يكتشفون أنّ عالَمهم الصغير ملفوف بالأكاذيب أيضاً. ومع بدء قدرات المقاومة، المادية والمعنوية، في النضوب، في “اليوم الرابع”، يدخل الأصدقاء في تصادُمات في ما بينهم، ما يؤدّي إلى اتهامات متبادَلة بالكذب، أي بالتورُّط في نفس ما يكرهونه في عالَم الكبار، ومن ثمّ يدخلون في حلقة من المصارحات بدأها مامورو بكشف سرّه، أي الفكرة التي أدّت إلى كلّ ما وقعوا فيه، حبّه لآيا التي بدورها كشفت أنها تحبّ صديقتها، ولذلك حرصت على أن تكون مشارِكة في المغامرة.
عند الوصول إلى هذه النقطة، يتطابق هيكل أحداث الفيلم مع نموذج “أدب التكوين” الذي يعالج مرور الشخصيات من الطفولة إلى الشباب أو الكهولة، وضمنه تقع كلاسيكيات كبرى مثل “آلام فارتر” لغوته، “ومولن الكبير” لفورنييه. تلك المصارحة بين شركاء المغامرة، بالحقائق التي يُخفونها وتلك التي لا يحُبّون مواجهتها، تبدو مثل قطع حبل المشيمة الذي ينبغي أن يمرّ منه الجميع. لكن لا تتوفّر الوضعيات التي تتيح لنا ذلك، فيما يقدّمها فيلم “حرب الأيام السبعة” بشكل مكثّف.
لا ننسى أن الفيلم يقع ضمن نمط المانغا، والذي طالما وُضع ضمن الفنون الموجّهة للأطفال، لكن لن يرى الأطفال من “حرب الأيام السبعة” إلّا سلسلة من المغامرات، بينما تقع رسالة الفيلم في مكان آخر، موجَّهة إلى أولئك الذين عبروا من الطفولة إلى مراحل عمرية أُخرى دون الوقوع تحت مرمى الأسئلة المحرجة والقاسية. فماذا لو طرحوها على أنفسهم اليوم؟

كاتبٌ مِن مواليد الجزائر عام 1995، يكتب القصّة القصيرة ويهتمُّ بالثقافة وبقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، يُقيم في فرنسا حيث يتابع دراسته في علوم الكمبيوتر وتقنية المعلومات.