
عندما دعت “جمعية العلماء” إلى بديل عن “جبهة التحرير”
يُخبرنا مولود قاسم نايت بلقاسم بأنّ "جمعية العلماء" تأخّرت عن إعلان مساندتها للثورة التحريرية حتى 1956. فبينما كانت الثورة تدخل شهرها السادس، دعت الجمعية الجزائريّين إلى "النضال السلمي" في "حركة سياسية".
في كتابه “ردود الفعل الأوّليةُ داخلاً وخارجاً على غرّة نوفمبر”، الصادرِ عن “دار البعث” في الجزائر عام 1984، يتوقّف مولود قاسم نايت بلقاسم (1927- 1992) عند نداء أصدرته “جمعية العلماء المسلمين الجزائريّين” في ربيع عام 1955، مُسجِّلاً استغرابه، ليس فقط مِن تأخُّر الجمعية في بلورة موقف واضح من الثورة الجزائرية (1954 – 1962)، بل أيضاً مِن دعوتها الجزائريّين إلى “النضال السلمي” عبر “تشكيل حركة سياسية جزائرية واسعة”، بينما كانت الثورةُ المسلَّحةُ توشك على دخول شهرها السادس.
نُشر النداءُ على الصفحة الأُولى مِن صحيفة “البصائر” بتاريخ 11 مارس/ آذار 1955، بعنوان “نداء إلى الشعب الجزائري”. وكان، بحسب نايت بلقاسم، الثالثَ الذي عبّرت فيه “جمعية العلماء المسلمين” عن ردّة فعلٍ على ما كانت تصفه بـ”الحوادث”، في إشارة إلى ثورة الأوّل مِن نوفمبر/ تشرين الثاني 1954.
صدر الموقف الأوّل للجمعية في الصحيفة نفسِها بتاريخ 28 يناير/ كانون الثاني 1955، وممّا جاء فيه: “إنّ البلاد في حاجة أكيدة إلى تغييرات أصولية أساسية، تتناول سائر الأُسس التي بُني عليها النظام الجزائري، لا إلى إصلاحات صورية طفيفة تؤبّد الحالة الحاضرة المنكرة”، و”إنّ برنامج التغييرات الأساسية الأصولية في أمور البلاد لا يمكن أن يُرتجَل في باريس ارتجالاً، بل يجب أن يكون نتيجةَ بحثٍ ودراسة عميقة مع ممثّلي الأحزاب والهيئات النظامية والمنظَّمات القومية”، و”لا تقبل الأمّة بأيّ حالة ولا ترضى عن برنامج إصلاحي إلّا إذا حقّق رغبتها التحريرية الكُبرى في كُلّ ما يتعلّق بالحُكم، والإدارة، والشؤون العامّة، وكُلّ ما يتعلّق بدينها ولغتها”.
اكتفت الجمعية باستنكار انفراد الإدارة الاستعمارية باتّخاذ القرارات المتعلّقة بالجزائر
لا يُعلّق صاحبُ كتاب “شخصية الجزائر الدولية وهيبتها العالمية قبل 1830” (1985) على هذا البيان. لكنَّنا سنُسجّل فيه ملاحَظتَين أساسيّتَين؛ الأُولى هي اكتفاءُ الجمعية باستنكار انفراد الإدارة الاستعمارية الفرنسية باتّخاذ القرارات المتعلّقة بالجزائر في باريس، مِن دون إشراك “ممثّلي الأحزاب والهيئات والمنظَّمات المدنية” الجزائريّين.
والملاحَظة الثانية هي حصْرُ “جمعية العلماء المسلمين” ما تُسمّيه “الرغبة التحريرية الكُبرى” في مجالات مُحدَّدة؛ هي: الحُكم، والإدارة، والشؤون العامّة، وكُلُّ ما يتعلّق بدين الأمّة ولغتها، وهو ما يعني، في المحصّلة، أنَّ أقصى ما كانت الجمعية تطمح إليه، حتّى ذلك التاريخ، هو الحُكم الذاتي، وليس استقلالَ الجزائر التامّ واستعادةَ سيادتها الوطنية، في حين كان “بيان الأوّل مِن نوفمبر” قد حدّد الهدف من الكفاح التحرُّري بشكلٍ دقيق: “الاستقلالُ الوطني بواسطة إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذاتِ السيادة”.
أمّا ثاني مواقف الجمعية من الثورة التحريرية، حسب نايت بلقاسم، فعبّرت عنه في نداءٍ وجّهَته، عبر صفحات “البصائر”، بتاريخ 25 فبراير/ شباط 1955، “ندّدَت فيه بالفظائع المرتكَبة في البلاد، وركّزَت خاصّةً على منطقتَي أوراس وجرجر” (ص 72)، وكان يحمل عنوان “نداء إلى الضمير الفرنسي”.
هيئةٌ بديلة؟
مُجدَّداً، يترك نايت بلقاسم هذا النداء جانباً، لينتقل إلى الموقف الثالث؛ وهو النداء الذي وجّهته الجمعية إلى الشعب الجزائري بتاريخ 11 مارس/ آذار 1955 “باسم الأساتذة والمعلّمين الأحرار”، مُورِداً مقاطع منه: “آن للأحرار الجزائريّين أن يتجمّعوا في حركة سياسية جزائرية واسعة، فإنّ ساعة تحمُّل المسؤوليات العظمى قد دنت. فليتقدّم الأحرار الجزائريّون بشجاعة وحكمة للنضال السياسي السلمي بتشكيل هيئة في أقرب الآجال تتولّى الدفاع عن قضية بلادنا المقدَّسة، وتُبلغ صوت أُمّتنا المنكوبة بٌكلّ صدق وأمانة […] فإلى تنظيم اتّحاد وطني يتألّف من الشعب، ويُسانده الشعب، ويعمل لخير الشعب”.
هنا، يُسجّل المؤلِّف أنَّ هذا النداء “يتناقض كُلَّ التناقض” مع البيان السابق؛ إذ يدعو إلى “التجمُّع في حركة سياسية جزائرية واسعة”، وإلى “النضال السياسي السلمي بتشكيل هيئة”. نحن في مارس 1955، و”الهيئةُ” كانت موجودةً منذ ستّة أشهر، وهي جبهة التحرير الوطني، و”التجمُّع في حركة سياسية واسعة” كان موجوداً، وهو نفْس الجبهة، “والنضالُ السياسي السلمي” كنّا تعبنا منه ولم يُفِد (ص 72).
دعت إلى تأسيس “حركة سياسية” بديلة عن “جبهة التحرير الوطني” أو مُوازية لها
ويرفض نايت بلقاسم تبرير أعضاء الجمعية لاحقاً لعبارة “هيئة سياسية سلمية” بقولهم إنّ المقصود منها هو “هيئة سلمية سياسية للجبهة”، لأنّ الجبهة نفسُها كانت هيئة سياسية… وهي التجمُّع الأكبر، وهي بالدرجة الأُولى سياسية، أمّا الجانب العسكري فكان جيش التحرير. ليتساءل: إذن ما المقصود بهذه الهيئة التي يُقترح إنشاؤُها؟
ويضيف: “فإذا كان لا بُدّ من نداء، وكان لا بدّ منه فعلاً، فهو إلى مساندة هيئةٍ موجودة فعلاً، والدعوةُ إلى الانضمام إليها، وليس إلى ‘تشكيل هيئة في أقرب الآجال!'”.
ما تُخبرنا به المواقف الثلاث (البيانُ والنداءان) هو أنّ “جمعية العلماء المسلمين” كانت متأخِّرةً عن الواقع الثوري الجزائري بأشهر، وغائبةً عنه، وأنّها كانت لا تزال تعيش في ما قبل لحظة الأّول مِن نوفمبر/ تشرين الثاني 1954. وأكثر من ذلك، أنّها دعت إلى تأسيس “حركة سياسية” بديلة عن أو مُوازيةٍ لـ”جبهة التحرير الوطني”، التي لم تكُن الجمعية، حتى ذلك الوقت، تعترف بوجودها، ولا ببيان الأوّل نوفمبر، ولا بالثورة.
حتى يناير 1956
لن تتّخذ “جمعية العلماء المسلمين الجزائريّين” موقفاً مؤيّداً للثورة التحريرية إلّا بعد مرور سنةٍ وشهرين على اندلاعها. يُشير مولود قاسم نايت بلقاسم، في كتابه، إلى البلاغ الذي أصدرته الجمعية إثر اجتماعها العام في مقرّها بالعاصمة يوم السابع من يناير/ كانون الثاني 1956، والذي عنونَته هذه المرّة: “بلاغ من الاجتماع العام لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين عن الحالة الحاضرة في القطر الجزائري وموقف الجمعية منها”، مُعتبراً أنّ مقارنةَ هذا النصّ بالنصوص الثلاثة التي سبقته تُبرز أنّ موقف الجمعية لم يتّضح ولم يتبلور في مساندة الثورة إلّا في هذا النداء الرابع أو البلاغ، بإصدارها نداءً إلى الأمّة وإلى العالم أجمع، تنظمُّ فيه إلى الكفاح (ص 73).
تبدأ الجمعية هذا البلاغ – الذي حمل توقيع كُلٍّ مِن رئيسها العربي التبسّي وكاتبِها العام أحمد توفيق المدني – بالترحُّم على “الشهداء الأبرار الذين ذهبوا ضحية القمع الأعمى الفظيع”، وتوجيه الودّ والتقدير والعطف إلى “سائر الرجال الذين أُوصدت عليهم أبواب السجون، أو أُطبقت عليهم الأسلاك في المحتشدات”، والامتنان والتقدير إلى “سائر الأحرار في كُلّ أقطار الدنيا، ولجميع الصُّحف النزيهة، ولسائر الحكومات الحرّة التي أيّدَت الأمّة الجزائرية في نضالها الشريف، ودافعَت عنها”.
ويَعتبر البلاغ أنّه “لا يمكن حلُّ القضية الجزائرية، بصفة سلمية وسريعة، إلّا بالاعتراف العلني الصريح بكيان الأُمّة الجزائرية الحُرّ، وجنسيتها الخاصّة، وحكومتها القومية، ومجلسها التشريعي المطلَق التصرُّف”، و”أنه لا يمكن وضع حدّ لحالة الحرب الحاضرة، والإقدامُ على بناء النظام الحرّ الجديد، إلّا بواسطة التفاهُم الصريح المخلص مع سائر الممثّلين الحقيقيّين للشعب الجزائري، مِن رجال الحلّ والعقد الذين أظهرهم الكفاح الجزائري”.
لم يُسمّ بلاغُ 1956 جبهةَ التحرير، بل أشار إلى “الممثّلين الحقيقيّين للشعب الجزائري”
يَستدلّ صاحبُ كتاب “الجزائر” (1957) بكون هذا البلاغ هو الموقف الأوّل المُناصر من “جمعية العلماء المسلمين” للكفاح المسلَّح بنشر صحيفة “البصائر” افتتاحيةً بتاريخ 27 يناير/ كانون الثاني 1956 حملَت عنوان “فأخذتهم الصيحة”، علّقت فيه على ردود فعل وسائل الإعلام الفرنسية على بلاغ السابع من يناير/ كانون الثاني؛ ومنها مجلّة “L’Express” الباريسية التي كتبت أنَّ لهذا البلاغ الذي ينشره العلماء أهمية عُظمى، لأنه يُعتَبر “أوّلَ تأييد ديني رسمي” للثورة؛ حيث يلفت نايت بلقاسم إلى أنّ البصائر لم تُعلِّق على هذا الكلام، ولم تردّ عليه، ولم تُكذّبه، بأن تقول بأنّ ذلك البلاغَ لم يكن الأوّل، أو غير ذلك (ص 76).
كما يستدل الكاتبُ على ذلك بحوارٍ أجرَته “Le Monde” الفرنسية مع الشيخ العربي التبسّي ونشرته بتاريخ 16 فبراير/ شباط 1956، يجيب فيه عن سؤال الصحيفة: “متى انضممتم إلى هذا الموقف الوطني المتشدِّد؟”، بالقول: “أمّا كشخص، فقد كان هذا موقفي دائماً، وأمّا كجمعية، فعزمُنا هذا أعلنّا عنه منذ يناير الأخير” (ص 76).
ويَذكُر نايت بلقاسم أنّ السلطات الاستعمارية الفرنسية اعتقلت التبسّي بعد إصدار البلاغ، ثُمّ اغتالته، بينما انضمّ المدني وأغلبُ أعضاء الجمعية إلى الجبهة، والتحق الكثير منهم بالقاهرة أو تونس أو المغرب.
والملاحَظ في البلاغ، الذي يعتبره نايت بلقاسم أوّلَ موقف تُعبّر فيه الجمعية عن مساندتها للثورة، أنّه لا يأتي على ذكر “جبهة التحرير الوطني” بالاسم، بل يَستعمل تعبير “الممثّلين الحقيقيّين للشعب الجزائري”.
بعد قيام الثورة بقليل
يُثير ما يذهب إليه كتاب “ردود الفعل الأوّليةُ داخلاً وخارجاً على غرّة نوفمبر”، بخصوص موقف “جمعية العلماء المسلمين الجزائريّين” مِن الثورة التحريرية، إشكاليّتَين أساسيّتَين؛ هُما: إذا كُنّا نعلم أنّ أعضاء بارزين في الجمعية، مثل الشيخ الفضيل الورتيلاني، قد أصدروا بياناتٍ أعلنوا فيها مُساندتهم للثورة بعد أيّام قليلة من انطلاقها، فلماذا يَعتبر مولود قاسم نايت بلقاسم أنّ الجمعية تأخّرت في مساندة الثورة حتّى يناير/ كانون الثاني 1956؟ وإن كانت جمعية “البصائر” – لسانَ حال الجمعية – قد تطرّقَت إلى موضوع الثورة في عددٍ من افتتاحياتها المنشورة خلال الأيام الأُولى التي تلت الحدث، فلماذا يبدأ بسردِ مواقف الجمعية مِن فبراير/ شباط 1955 وليس مِن نوفمبر/ تشرين الثاني 1954؟
مِن المفيد، هنا، الإشارةُ إلى أنّ نايت بلقاسم يفصل بين مواقف أعضاء الجمعية كأفراد وبين مواقف الجمعية كجمعية؛ وهو ما يُشير إليه، في معرض حديثه عن بلاغ السابع من يناير/ كانون الثاني 1956، بالقول: “وأيّةُ مقارَنةٍ بين هذا البلاغ وما سبق من البيان والنداءين لا تستطيع إلّا أنْ تُبرز في الواقع أنّ موقف جمعية العلماء، كجمعية، لا كأفراد، لم تتبلور في مسانَدة الثورة إلّا في هذا النداء الرابع أو البلاغ» (ص 73).
أمّا بخصوص المقالات المنشورة في “البصائر”، فهو يَفصل أيضاً بين البيانات والبلاغات والنداءات من جِهة، وبين المقالات من جهة أُخرى؛ حيث يُورد المقالات الصحافيةَ في معرض سرده لتوصيفات صحافة الأحزاب والهيئات الجزائرية للثورة؛ والتي تبايَنت بشكلٍ يعكس تبايُنَ ردود فعل تلك الأحزاب والهيئات على الحدث؛ حيث تُعبّر المقالات عن مواقف مختلفة يلخّصُها نايت بلقاسم في بضع نقاط: شعورٌ بالدهشة وأثر المفاجأة، ونوعٌ من الاستنكار والتخوُّف مِن العواقب، وخاصّة مِن الفشل، مع إلقاء التبعة على الاستدمار أوّلاً، وشيء من التهرُّب والتملُّص والتنصُّل من المشاركة في المسؤولية، لأنّ بعضها كانت مبدئياً ضدّ تلك الأعمال، والأُخرى لأنّها كانت ترى أنْ لم يحِن وقتُها بعد، أو لأنّها وقعت بغير علمها، أو لأنّها ليست صاحبة البادرة فيها (ص 58).
البصائر، التي يُلزمها اسمها بأن تكون بصيرةً بالأمر قبل غيرها، لم تُرِد التبصُّر هذه المرّة
وبالعودة إلى صحيفة “البصائر”، يذكر نايت بلقاسم افتتاحيَّتها المنشورة على الصفحة الأُولى في عدد الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني 1954 تحت عنوان “حوادث الليلة الليلاء”، والتي ورد فيها: “فُوجئَت البلاد الجزائرية بعددٍ عظيم من الحوادث المزعجة، وقعَت كلُّها ما بين الساعة الواحدة والساعة الخامسة من صبيحة الإثنين غرّة نوفمبر”.
تُضيف الافتتاحية: “إنّنا إلى حدّ هذه الساعة لا نملك التفاصيل المُقْنعة عن هذه الحوادث وأسبابها، وليس بين أيدينا إلّا ما تناقلته الصحف وشركات الأخبار… فلا نستطيع أن نُعلّق عليها أدنى تعليق، إلى أن تتبيَّن لنا طُرُق الصواب، فليس من شأن البصائر أن تتسرّع في مثل هذه المَواطن… لكنّنا، مِن جهة أُخرى، رأينا أنّه لا يمكن أن يخلو هذا العدد من جريدتنا من ذِكر هذه الحوادث، التي تناقلت صحف العالم بأسره تفاصيلها”.
أكملت الصحيفة، يُضيف نايت بلقاسم، إحصاء “الحوادث” في الصفحة الثانية، وأعقبت ذلك ببعض أقوال الصحف الفرنسية، وبفقرة من تصريح “الحاكم” العامّ الفرنسي في ندوته الصحافية عن نفْس الموضوع، وبفقرة أُخرى أطول عن تعليقات الصحافة الفرنسية عن الوضع.

(غلاف الكتاب، طبعة 1984)
وفي عددها التالي مباشرةً، والذي صدر بتاريخ 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 1954، تحدّثت الصحيفة بحياد عن “وقائع” و”أحداث كبيرة”، مُعلِّقةً بأنَّ “السبب الوحيد في هذه الحوادث هو الاستياء العامّ من الحالة الخطرة: استياء سياسي، واقتصادي، واجتماعي، واستياء ديني وثقافي”، ثُمّ كتبت في عدد ثالث، بتاريخ الثامن والعشرين مِن الشهر نفسه: “لا يُمكن بناء أمن وتضامُن ومستقبل سعيد لقُطر الجزائر إلّا إذا أُعيد النظر في الدستور الجزائري”، ثمّ طالبت في عددٍ رابع، بتاريخ العاشر مِن ديسمبر/ كانون الأوّل من السنة نفسها، بـ”فصل الدين الإسلامي عن الدولة، وترك أموره لأهله”. يلفت نايت بلقاسم هنا إلى أنّ هذا العدد لم يتضمّن أيَّ “شيء إطلاقاً عمّا سُمّي بـ’الحوادث'” (ص 68).
يُوجِّه نايت بلقاسم نقداً لاذعاً للصحيفة؛ حيث يكتب: “حتّى عندما تَعرض ‘الحوادثَ المزعجة’ التي وقعت في تلك ‘الليلة الليلاء’، تُبرّر ذِكرها بأنّ ‘جميع الصحف العالمية تكلَّمَت عنها’، و’إلّا فليس مِن شأن البصائر التسرُّع في مثل هذه المواطن!’، مع أنّ جميع الجرائد الصادرة بالجزائر عن الأحزاب الجزائرية وكذلك الهيئات والصحف الفرنسية قد اتّخذَت مواقف، وعلّقت على تلك الحوادث والأحداث. والبصائرُ، التي يُلزِمها اسمُها بأن تكون بصيرةً بالأمر قبل غيرها وأكثر، لم تُرِد التبصُّر هذه المرّة”.
في مُقابل هذه الأهجية، يعزل مولود قاسم نايت بلقاسم افتتاحيات الصحيفة عن الجمعية، ربّما لعدم تضمُّنها موقفاً صريحاً، مُتناسياً أنّ عدم اتّخاذ موقفٍ هو موقفٌ بحدّ ذاته، ومُفضِّلاً البدء في التأريخ لمواقف الأخيرة مِن الثورة التحريرية ببيانها الصادر في 28 يناير/ كانون الثاني 1955، ثمّ نداءَيها الصادرَين في 25 فبراير/ شباط 1955 و11 مارس/ آذار 1955 على التوالي، ثمّ بلاغها الصادر في السابع من يناير/ كانون الثاني 1956، وكأنّ “البصائر” ليست لسانَ حال “جمعية العلماء المسلمين الجزائريّين” كما تُعرّف بنفسها منذ تأسيسها في ديسمبر/ كانون الأوّل 1931.

كاتب وصحافي جزائري ومؤسّس موقع “رحبة”. من مواليد 1983. بدأ الكتابة الصحافية مدوّناً في 2005، قبل أن يعمل في عددٍ من المؤسّسات الصحافية الجزائرية والعربية، بين الصحافة المكتوبة والإذاعة والتلفزيون. صدرت له مجموعة قصصية في 2008، ورواية في 2013.