فوزُنا في قطر… هزيمتُنا في الجزائر

بدت رحلةُ لاعبي المنتخَب الوطني الجزائري لكُرة القدم مِن الدوحة إلى الجزائر، مِن شاشة "بي إن سبورت" إلى شاشة التلفزيون العمومي الرديئة، مثلَ انتقال بين زمنَين متباعدَين: الحاضر والمستقبَل اللذين شاهدناهما أمس، والماضي الذي لا زلنا نعيشه اليوم.

فوزُنا في قطر… هزيمتُنا في الجزائر
فوزُنا في قطر… هزيمتُنا في الجزائر

كثيراً ما كنتُ أشعر بشيء مِن الغيظ كلّما حاول صديقٌ لي، مِن بلد مشرقي، إغاظتي قائلاً: “بلدُكم خارج التاريخ”، قبل أن يشرع في عرض مقارناتٍ بين الجزائر وبُلدان يُفترض أنّها أصغرُ مِنها في كلّ شيء، لكنّها تقدّمَت عليها اليوم بسنوات ضوئية. أُحاوِل، بدوري، تبرير ما يبدو غير قابلٍ للتبرير، ثمّ أنتهي إلى الاعتراف، بيني وبين نفسي، أنَّ في كلامه، وعلى قسوته، شيءٌ مِن الحقيقة. أُخاطِبُني: “مَن غيرُها، هذه السلطة، تُصرّ أن تترك هذا البلدَ الكبير خارج التاريخ؟”.

تذكّرتُ هذا الصديقَ بينما كنتُ أقرأُ تعليقاتٍ على فيديو بثّه موقع “التلفزيون الجزائري”، عبر صفحته في فيسبوك، يرصُد لحظة وصُول المنتخَب الوطني إلى الجزائر عائداً من الدوحة التي أحرز فيها الكأس العربية، ثُمّ انطلاقه على متن حافلةٍ من “مطار هوّاري بومدين الدولي” باتجاه “ساحة أوّل ماي” في العاصمة.

أُعجِب بالمنشور – حتى كتابة هذه الأسطرُ – أكثرُ مِن سبعة وأربعين ألفَ شخص، بينما توزّعَت أيقونات الغضب والحزن والسخرية بين قرابة ستّة آلاف شخص. على الأرجح، لم يكُن الفريقُ الثاني غاضباً أو حزيناً أو ساخراً مِن المنتخَب الوطني الذي عاد بأوّل كأس عربية في تاريخه. ولا شكَّ أنَّ الفريق الثاني لم يكُن مُعجَباً بجودة الصورة التي ظهَر عليها اللاعبون عبر تلفزيون بلادهم.

تُذكّرنا رداءة صُوَر التلفزيون الحكومي بسُلطةٍ عاجزة إلّا عن تشويهِ كلّ ما هو جميل في هذا البلد

مِن بين 32 ألف تعليق على المنشور، مُعظمُها يسخَر مِن رداءة الصورة، لفتَني تعليقٌ تمنَّت كاتبتُه ألّا يرى الفيديو أحدٌ غيرُ الجزائريّين، كأنَّ صاحبة التعليق تودُّ أنْ تقول: “سنسخر مِن أنفسنا بأنفسنا، لكنّنا لا نُريد أن يسخر منّا الآخرون”.

وبالفعل، كانت حسابات الجزائريّين وصفحاتُهم على مواقع التواصُل الاجتماعي، في تلك الأثناء، قد حولَّت صُوَر التلفزيون العمومي، الذي أرفقها بعبارة “صوَر حصرية” التي كُتبت بخطّ رديء هي الأُخرى، إلى مادّة للسخرية. نُشرت، في بضع ساعات، آلاف من المنشورات والتعليقات والصُّوَر التي ظهَر فيها لاعبو المنتَخب الوطني وسْط عتمةٍ وغباشة يصعُب التعرُّف على ملامحهم فيها. شبَّه بعضُهم اللاعبين بأبطال مسلسلات فانتازيا سورية قديمة، وبمختطَفين، وبمجرمين أُلقي القبض عليهم، وبمواطنين تحت القصف، وبناجين من كارثةٍ طبيعية، وشبّهوا الصُّوَر بمشاهد الفيديوهات القديمة والرديئة للأعراس، وأقسَم آخرون أنَّ الفارق الزمني بينها وبين الصُّوَر التي شاهدوها مِن الدوحة، عبر القنوات الرياضية القَطرية، هو 24 ساعةً فقط وليس 24 عاماً.

لقد بدت مثلَ انتقالٍ بين زمنَين رحلةُ لاعبي المنتخَب الوطني لكُرة القدم مِن الدوحة؛ حيثُ الإبهار والتنظيم المحكَم لبطولة حضرتها قرابة 600 ألف مشجّعٍ إلى الجزائر؛ حيث الفوضى التي كانَ أوّل مَن صنعها مسؤولون ووزراءُ فاشلون راحوا يتدافعون لالتقاط صوَر “سيلفي” مع اللاعبين… مِن شاشة “بي إن سبورت”؛ حيث الجودة الفائقة للصورة إلى شاشة التلفزيون العمومي؛ التي تُذكّرنا بسُلطةٍ عاجزة إلّا عن تشويهِ كلّ ما هُو جميل في هذا البلد.

فوزُنا في قطر… هزيمتُنا في الجزائر

صحافية وكاتبة من الجزائر، مِن مواليد بومرداس عام 1989. مهتمّةٌ بالشأن الثقافي وبحقوق المرأة والقضايا الجندرية.

لتصلك أحدث قصصنا على بريدك الإلكتروني
التعليقات
شاركنا رأيك!
لا توجد تعليقات!

قصص رائجة

معذرة, لا يوجد محتوي لعرضه!
قصص قريبة