“فَضّة وذْهب”… قصص الأمّهات والأبناء والأحفاد
(من الفيلم)

“فَضّة وذْهب”… قصص الأمّهات والأبناء والأحفاد

تتّخذ المخرجة الجزائرية، أسماء بن عزّوز، مِن مرقدٍ مهجور في مدينة الجزائر بطلاً لفيلمها الوثائقي القصير، ومنه تستخرج حكايات إنسانية قد نلتقي بها دائماً، لكنّنا قليلاً ما نراها ونستمع إلى أصحابها.

منذ اللحظة الأولى، تضعُنا كاميرا أسماء بن عزّوز في قلب المكان الذي ستتّخذُه بطلاً لفيلمها الوثائقي القصير الأوّل، إلى جانب أبطال مِن لحم ودم يتحرّكون داخله، ويتحدّثون باقتضاب عن قصصهم الشخصية التي سنكتشف، مع مرور الوقت، أنّها أكثر تعقيداً ممّا كُنّا نتصوَّر.

نحنُ في عمارة آيلة إلى السقوط في جهة ما مِن مدينة الجزائر. تبدو الإشارة إلى المنطقة غيرَ ذات أهمية كبيرة بالنسبة إلى الحكايات التي تختبئ في المبنى المختبِئ هو الآخرُ في حيّز غيرِ مرئي مِن المدينة. ما تفعله أسماء بن عزّوز، في “فَضّة وذْهب” (2020)، هو أنّها تمنحُ المكان شكلاً يجعله مرئياً، والحكاياتِ صوتاً يُصيّرها مسموعة.

قبل لحظة البداية تلك، كانت الكاميرا قد اتّخذَت لها موضعاً داخل المبنى، قُبالة مدخلٍ يُفضي إلى شارع ضيّق ينبعث منه نور الشمس، وراحت ترقُب شيخاً يدخُل مِن الشارع بخطىً بطيئة وهو يجتهدُ في سحب عربة صغيرة، قبل أن يتّكئ عليها بيدَيه وقدْ أخذ منه الإرهاق كلَّ مأخذ.

تُقابِلُ بطئَ حركة الشيخ صاحبِ العربةِ الخشبية الصغيرة سرعةٌ في الانتقال بين زوايا هذا المكان الواحد الذي هو العمارة. تتلاحَقُ المَشاهِد لتُعطيه شكلَه المرئي: مشهدٌ داخلي يُظهِر طوابق العمارة المتداعيةِ التي تبدو، للوهلة الأولى، خربةً مهجورةً لولا الأصواتُ البشرية القادمة من الشِّقق، والأفرشة التي تبحث عن ضوء النهار على الأعمدة الخشبية المثبّتةِ أفقياً وعمودياً كأنما تُحاوِل أن تمنع الجدران من الانهيار… ثمّةَ أيضاً أربعينيُّ ينظرُ إلى هاتفه بينما يجلس عند مدخل غرفة صغيرة سنعرف قريباً أنّها ورشتُه الخاصّة بصياغة الذهب والفضّة؛ فبعدَ لحظات سنراه يُقدِّم لأحد زبائنه ساعةً مِن الواضح أنه انتهى مؤخَّراً مِن تجديد هيكلها.

لن يُراودنا شكٌّ في أنّ الصادق – هذا هو اسمُه الذي سنتعرَّف إليه في وقتٍ لاحق – هو البطلُ البشريُّ للحكاية التي لم يبدأ الشريط (22 دقيقة) بروايتها بعد. لا يُمكن أنْ يكون الأمرُ إلّا كذلك؛ فنحنُ ننتظرُ قصّةً عن الذهب والفضّة، (أو الفضّة والذهب كما يُرتّبهُما عنوان الفيلم)، أيْ عن تلك الحرفة التقليدية الآيلة إلى الاندثار. لا شكَّ أنَّ لهذا الشاب الهادئ الكثيرُ ممّا سيُخبرنا عنه حول الموضوع. غيرَ أنَّ المشهدَ سيتوقّفُ عندَ اللحظة التي يستلمُ فيها الزبون ساعتَه القديمة الجديدة.

مِن الأسفل، نرى امرأةً وطفلاً يبدو في الثانية عشرة من عُمره يُطلّانِ ممّا يُشبهُ شرفةً على المساحة التي تتوسّط العمارة. وحين ينسحبان إلى الداخل، تكون الكاميرا قد استقرَّت في زاويةٍ من غرفةٍ تتوسّطُها حصيرةٌ من النوع الصناعي وُضع عليها طبقُ شخشوخة، وأخذَت تُسجِّلُ مشهداً تجلسُ فيه الأمُّ على مقربةٍ من ابنِها المنشغلِ بلعبةٍ على الهاتف النقّال، بينما تُتابِع هي كلمات الإمام الذي يُلقي خطبةَ الجمعة. يُطمئِنُها صوتُه القادم من تلفازِ تراه ولا نراه وهو يُخبرها عن المساجد التي يجدُ فيها المؤمنون السلام الداخلي، ويُزعجُها صوتُ الموسيقى القادمُ مِن هاتف ابنها، فتطلبُ منه إيقافها.

ما تفعله أسماء بن عزّوز هو أنّها تمنحُ المكان شكلاً مرئياً والحكاياتِ صوتاً مسموعاً

في فيلمٍ تدور أحداثُه حول حرفة الصياغة التقليدية، سنكتشف أنَّ الأُمّ، التي لم تُمنَح اسماً إلى الآن، تُخبّئ في خزانتها العتيقة قطعةً فضّيةً أو ذهبيةً ورثتها عن أمّها أو عن جدّتها. في المشهد التالي، ستُخرِجُ القطعةَ القديمة التي لا تُقدَّر بالنسبة إليها بثمن، وتمضي بها إلى أسفل العمارة؛ حيث ورشةُ الصادق. سيكونُ التقاؤهُما نقطةَ انطلاق الدينامية السردية التي تتضمّنُ حكايتَين: امرأة ورثت قطعةَ حليٍّ نفيسةً ونادرة تحرص على الاعتناء بها كما لو أنّها قد صيغت من روحها، وشاب ورث حرفةً قديمةً يحرص على الاعتناء بها كما لو أنّها قطعة حليّ نفيسةٌ ونادرة.

ربما لن يحدث أيٌّ مِن ذلك. حين يُكبِّرُ الإمام لإقامة الصلاة، تُفرقِع ذهبية أصابعها وتمسح دموعها، بينما يبدو صغيرُها، الذي يشرع في تناوُل الغداء، غير مستوعبٍ للموقف. لم تمرَّ إلى الآن سوى ثلاث دقائق من الفيلم. وفي هذه اللحظة، تشرعُ في سرد قصّتها الشخصية التي تُعرّفنا إلى امرأة ينحصر عالَمها الخاص بين العمل في البيت وخارجه: «أقوم بكلّ شيء بمفردي. أعيلُ أبنائي، وأحرص على تلبية حاجياتهم. لا أَخرج سوى للعمل، ولا أرى عائلتي… ليس لديَّ غير عملي وأبنائي».

نراها منشغلةً بغسل الصحون ثمّ تقطيع حبّات البطاطا في زاويةٍ من مطبخها الصغير، بينما تُواصل إخبارنا بأنّها لم ترَ والدتها منذ تسعة أشهر. «تُقيم عند أخي الذي يعيش مع زوجته وأبنائه. ولا أُريد أنْ أُثقِل عليهم بزياراتي»، تقول ذهبية مبرّرةً هذه القطيعة، قبل أن تُضيف: «لا أُخفي عنك… اختلَف الأمرُ بعد وفاة أبي. كان لحياتي طُعمٌ معه. كان حنوناً ويسأل عنّي باستمرار. ولو أنّه لا يزال على قيد الحياة، لحمل هاتفه ليطمئنَّ عليّ».

تُخبرنا بأنّها عاشت حياةً قاسية منذ أبصرت نور الحياة، وبأنَّ ذلك استمرّ بعد زواجها الذي تقول إنّه لم يكُن موفَّقاً جدّاً. ببضع كلمات، تَختصر ذهبية حكايتها: «حياتي ضاعت، لكنّني لا أريدُ أن يعيش أبنائي ما عشتُه…».

نحنُ في الدقيقة الخامسة مِن الوثائقي القصير. وإذا قسّمنا العملَ – وفق التقسيم الكلاسيكي – إلى ثلاثة فصول، فهذا يعني أنّنا في نهاية الفصل الأوّل. لا زلنا في انتظار قطعة الحليِّ النادرة التي ستُخرِجُها ذهبية مِن جُعبتها. وربما هذه هي اللحظة المناسبة لتفعل ذلك.

ثمّة ما هو أغلى مِن الذهب: «لا أريدُ أن يعيش أبنائي ما عشتُه، خصوصاً نوفل». هذا ما كانت ذهبية تقوله قبل قليل. لكن، لماذا نوفل تحديداً؟ هل لأنه أصغر أبنائها؟ تُجيب عن السؤال الذي قد يطرحُه أيٌّ منّا قائلةً: «لأنَّ قصّة نوفل صعبة؛ فهو – على خلاف إخوته – مِن دون أب. نشأ معي فقط. هو عينايَ اللتان أُبصر بهما. أُحبّه رغم أنه بلا أب. تقبّلتُه وأتيتُ به رغم أنف العائلة والمجتمع… وكيما حبّوا راني هنا».

في ورشة الصياغة، سنرى الصادق مجدَّداً وهو منهمِكٌ في عمله، وإلى جانبِه نوفل الذي يُخبره قصصاً تتعلّق بالمدرسة. وحين يَطلب منه أنْ يقول “صباح الخير” و”مساء الخير” بالفرنسية، يتجاهَل الطفلُ طلبه، وبدلاً مِن ذلك يطرح على الصائغ سؤاله الخاصّ: «هل يُطلب منك أحياناً تحويل الذهب إلى فضّة؟». السؤال غريب. لكنَّ الصادق لا يتخلّى عن ابتسامته وهو يُجيب: «الذهب يبقى ذهباً، والفضّة تبقى فضّة». يُجادِل الصغيرُ بإمكانية رشِّ أحدِ المعدنَين بالآخر، فيوافِق مُحدِّثُه، لكنَّه يلفته إلى أنَّ ذلك لن يستمرُّ إلى الأبد؛ إذ سيعود كلٌّ منهما إلى حقيقته الأولى… «ذهب وفضة»، يُعلِّق نوفل بهاتين الكلمتَين اللتين ستجعل منهما أسماء بن عزّوز عنواناً لباكورتها السينمائية.

فيلم "فضة وذهب"

(مِن الفيلم)

على أنَّ أسئلة نوفل لن تنتهي. سيطرحُ سؤالاً آخر عن أيِّ المعدنَين أفضل، فيُجيب الصادق: «الفضّة فيها البَرَكة. يقولك الفضّة تْفيضْ، والذهب يذهبْ». لا تبدو هذه المقولةُ مُقنِعةً بالنسبة إلى الصبيّ الذي سيفتحُ باباً آخر لحوارٍ نعرف مِن خلاله عن رغبته في أنْ يُصبِح مغنّي راب. وفي مشهدٍ لاحق، سنراهُ وهو يُؤدّي حركاتٍ راقصةً فوق سطح المبنى على إيقاع أغنية راب، تقول كلماتُها: «في منامي نتقلّب، حايب نفطن، مَقْبَل ما تطفَّر، عايش في قْفص، مي جامي ننقب، مالغري جيبي ديما يصفَّر...».

قبل ذلك، سنتوقَّف قليلاً مع الشيخ صاحبِ العربةِ الخشبية الصغيرة. لن يُخبرنا شيئاً عن نفسه، بل لن نسمعه – طيلة الفيلم – ينبسُ سوى بكلماتٍ قليلة. كلُّ ما سنعرفه عنه سيأتينا مِن خلال ذهبية نفسِها التي ستُؤدّي في جزءٍ مِن الشريط دور المعلِّق الصوتي. اسمُه الغربي، ويبدو أنّه يكسب قوت يومه مِن بيع سندويشات على الأرصفة. هذا ما نعرفُه مِن جارته التي تناديه باسمه، ثمّ تعلِّق مخاطبةً الصادق مِن شرفتها: «كل واحد ربّي رزقُه كيفاش عطاهلو. راهو يخدم يبعث لولادُو».

«نروح نشرب قهوة ونجي». تلك واحدةٌ من الجُمل المقتضبة القليلة التي يقولها الغربي. يقولها كما لو كان يُحدِّث نفسه، ثمّ يمضي إلى الخارج، بينما تفتحُ ذهبيةُ، من شرفتها، حواراً مع جارةٍ في الطابق العلوي تُدعى آمال. لآمال أيضاً قصّتُها الشخصية، لكنَّ الفيلم لن يُخبرنا عنها شيئاً، كما لن يُخبرنا الكثير عن الغربي الذي سرعان ما سيعود إلى مكانه أمام العربة، وقد غيّر خُططه: «ما جبتش. ما نشربش. القهوة تزيدلي لِينِير».

تُعيدنا أسماء بن عزّوز مجدَّداً إلى الغُرفة الأولى. هذه المرّة، يلتحقُ شخصان جديدان – شابةٌ وطفلة لعلّها في الثالثة مِن عمرها – يبدو أنّهُما مِن العائلة. في هذه الجلسة، لا يفعل الجميع غير تقليب وثائقَ وصورٍ عائلية قديمة، وتبادُل أسئلة وإجابات عنها. وسيكونُ ذلك مناسَبةً يتعرّفُ فيها نوفل إلى وجوه أُخرى من أسرة والدته التي سيكتشف أيضاً أنها متعلِّمة. ذلك ما أخبرته به شهادتُها المدرسية التي لفت انتباهَه أنها لا تزالُ جديدةً كما لو أنّها استُخرجت أمس.

في غرفةٍ أُخرى، ستجلسُ الشابة، التي نحدس أنها ابنةُ ذهبية، وتشرع في حديثٍ يُخرجِه الشريط ضمن أسلوب هو أقرب إلى الحوار الصحافي. نستمع هنا – لأوّل مرّة – إلى مُخرجة الفيلم وهي تطرح الأسئلة بين الفينة والأُخرى. نعلم مِن شهرة أنّها لا تزور بيت والدتها إلّا لماماً؛ لأنّها باتت تخشى على صغيرتها منذ أنْ سقط سقف إحدى غرفه، ثمَّ تُقدِّم لنا ملخَّصاً عن حكايتها: «ماشي حياة. قلت بالاك كي نتزوج نتهنّى. تزوَّجت زدت درت بروبلام (مشكلة) لروحي. ندمت كي تزوّجت. بصح ما ندمتش كي عندي دعاء. هي كل شيء بالنسبة ليّا».

قيلت تلك الجملةُ مِن قبل مع اختلاف طفيف: حلّت شهرةُ مكانَ ذهبية، ودعاءُ مكانَ نوفل. الأمُّ الثانية هي ابنةُ الأمِّ الأولى، وهذا يعني أنَّ نهر الآلام انتقل مِن الأمّ إلى ابنتها. على أنَّ شهرة أنجبَت ابنتها في إطار زواج تُخبرنا أنّه لم يكُن موفَّقاً أيضاً، لكنّه، مع ذلك، قدَّم لها سبباً للبقاء: «مَن لي لكنت صغيرة نخمّم نروح حرّاقة. لمّا زادت نحيت الفكرة من راسي».

تروي شهرةُ أنّ حملها في ليلة زواجها أثار حفيظةَ حماتها التي قالت لها، بنبرة تشكيك، إنّه كان ينبغي لها التريُّث قليلاً. ازداد الوضعُ سوءاً حين تبيَّن أنَّ الجنين أنثى، ثمّ تدهوَر حين وضعَتها في الشهر السابع. قضت أيام حملها عند والدتها، ثمّ عادت إلى بيت زوجها مع رضيعةٍ ستعمَد حماتُها إلى إخفائها بالأقمشة حتّى لا يرى الضيوف أنها مكتملة النمو، على عكس ما يُتوقَّع مِن “ابن سبعة”.

تنسحبُ المخرجةُ خارجَ فيلمها لتترك للمشاهِد حرية بناء أحكامه ومشاعره الخاصّة

غادرَت شهرةُ بيت زوجها الذي تشبّهه بالسجن؛ هي التي اتّخذت قراراتٍ مشابهة منذ كانت في الثانية عشرة. تُخالط كلماتِها الدموعُ وهي تتحدّث عن أمّها التي تركتها في الثالثة مِن عمرها، وأبيها الذي منعها مِن ارتياد المدرسة وكان يُرغمها على الذهاب معه إلى أماكن الشُّرب والقمار، ويربطها بسلاسل حديدية إلى قارورة غاز حتى لا تهرب مِن البيت، ثمّ يضرب أمّه حين يعلمُ أنّها قدّمت لها طعاماً.

في أحدِ مشاهدِ الفيلم، نرى شهرة تمشط شعر والدتها. لا يبدو أنّها تحملُ لها أيَّ حقد، لكنّ ذلك لا يمنعها مِن أن تكشف عن تساؤلها: «أحياناً، حين أراها تتبادل الحديث مع نوفل، أسأل لماذا لم تُعامِلني مثلما تُعامِله؟». إنه سؤالٌ لا تقف عنده كثيراً، ولا تبحث عن إجابة له؛ فقد ابتكرت حلّها الخاص: «واش ماداروليش نديرو لبنتي».

مثل ذهبية، لا تنخرطُ شهرة في البكاء وهي تسرد حكايتها بجزأيها الأليمَين. ثمّةَ دموعٌ نراها في أعينهما وحشرجةٌ نلمسها في صوتَيهما. لكنَّ الأمرَ لا يصل حدّ النشيج عند امرأتين هُما على جانبٍ من القوّة، ربما تُعادِل الجانب الهشَّ فيهما أو تتفوَّق عليه. يُشبه الأمرُ العمارةَ نفسَها التي توحي بأنّها على وشك الانهيار، لكّنها تظلُّ مرتفِعةً في مكانها.

ومِن هذه العمارة، يصنعُ الفيلمُ لغته البصرية على نحوٍ يقترب مِن الشاعرية كنقيضٍ للمكان المتداعي، ويصيغ حكايته التي تقترب مِن الإنسان كنقيضٍ للفضائحية.

في مُحيط الحكايتَين المتّصلتين بقدر ما هُما منفصلتان (تبدو الثانية استمراراً للأولى)، ثمّةَ حكاياتٌ أُخرى لا يرويها الفيلم، تاركاً لنا أنْ نُفكّر فيها؛ فللصادق الذي يُمثّل بشكلٍ ما صوت الحكمة، والغربي الذي يبدو اسمُه متناغمِاً (بشكل غريب) مع غربته وغرابته، وآمال التي تظهر ثمّ تختفي سريعاً، أسبابهم التي أوصلتهُم إلى هذا المكان أيضاً (نعلم مِن المخرجة أنّه مرقد مهجور). وتلك الحكاياتُ ليست ثانويةً أو هامشية بالتأكيد.

ومِثلما لا يُقدِّم لنا أسماء شخصياته إلّا مِن خلال ما يرد على ألسنتها مِن أحاديث، يأخذُ الفيلم، في رواية قصّته، طابِعاً حيادياً: ليس ثمّةَ تعليقٌ خارجي، أو موسيقى تصويرية (يُستعاض عنها هنا بأصواتِ الحياة القادمةِ مِن الشارع والشقق) كثيراً ما يُعمَد إليها لإضافة جوّ درامي بشكل مبتذَل. تنسحبُ المخرجةُ خارجَ فيلمها لتترك للمشاهِد حرية بناء أحكامه وتصوّراته ومشاعره الخاصّة منذ لحظة دخول الغربي وهو يسحب عربته الخشبية الصغيرة، إلى لحظة النهاية التي تجتمعُ فيها الأجيال الثلاثة (الأمّان وابناهما) قُبالةَ الكاميرا في ما يُشبه صورةً فوتوغرافية متحرّكةً ونابضةً بالأمل والطفولة والابتسامات.

صحافية في السينما

أسماء بن عزوز

(أسماء بن عزوز)

وُلدت أسماء بن عزّوز عام 1994 في مدينة الجزائر، حيث تُقيم اليوم. حصلت على ليسانس في العلوم السياسية بباريس عام 2016، وماستر في الصحافة عام 2018. عملت مع عدّة مؤسَّسات إعلامية أجنبية. “فضّة وذهب”، الذي أنتجه “المركز الثقافي الفرنسي” في الجزائر ضمن ورشةٍ أشرف عليها المخرج الجزائري كريم موساوي، هو فيلمها السينمائيُّ الأوّل.

كاتب وصحافي جزائري ومؤسّس موقع “رحبة”. من مواليد 1983. بدأ الكتابة الصحافية مدوّناً في 2005، قبل أن يعمل في عددٍ من المؤسّسات الصحافية الجزائرية والعربية، بين الصحافة المكتوبة والإذاعة والتلفزيون. صدرت له مجموعة قصصية في 2008، ورواية في 2013.

لتصلك أحدث قصصنا على بريدك الإلكتروني
التعليقات
شاركنا رأيك!
لا توجد تعليقات!

قصص رائجة

معذرة, لا يوجد محتوي لعرضه!
قصص قريبة