محمود المسلَّمي في وداع “بي بي سي عربي”: أُغلق بيتُ العائلة
(محمود المسلمي)

محمود المسلَّمي في وداع “بي بي سي عربي”: أُغلق بيتُ العائلة

مع إسدال الستار على راديو "بي بي سي عربي" اليوم، يستعيد المذيع المصري محمود المسلّمي، في هذا الحوار، تجربته مع المحطّة التي التحق بها في بداية التسعينيات، مُقدّماً للنشرات الإخبارية ولعدد من البرامج، من بينها برنامجه الأشهر "همزة وصل".

في سبتمبر/ أيلول الماضي، أعلنت “هيئة الإذاعة البريطانية” وقف بثّ خدماتها الإذاعية بعشر لغات؛ من بينها خدمتُها العربية التي انطلقت في مثل هذا الشهر (يناير/ كانون الثاني) مِن عام 1938. واليوم، عند الواحدة ظهراً بتوقيت غرينيتش، يُسدَل الستار، رسمياً، على هذه التجربة التي استمرّت خمسةً وثمانين عاماً، وكانت من بين أكثر وسائل الإعلام تأثيراً في المنطقة العربية.

هذا القرار الذي وصفته “بي بي سي” بالخيار الصعب، مبرّرةً اتّخاذه بتبعات “التضخُّم المرتفع وارتفاع التكاليف”، وواعدةً بأنّه سيكون خطوةً في التوجُّه إلى “منظومة رقمية حديثة”، أثار تفاعُلاً كبيراً لدى أجيال من المستمِعين الذين تمثّل إذاعة “هنا لندن” جزءاً حميماً من ذكرياتهم ووجدانهم.

اليوم، سيكون محمود المسلّمي آخر من يقول “هنا لندن”. وفي هذا الحوار المطوَّل، يستعيد المذيع المصري تجربته الإعلامية التي تمتدّ على مدى خمسة عقود، قضى أكثر من ثلاثين سنةً منها أمام ميكروفون راديو “بي بي سي عربي”، الذي التحق به في بداية التسعينيات، مُقدّماً للنشرات الإخبارية ولعدد من البرامج، من بينها برنامجه الأشهر “همزة وصل”.

 

■■■

 

لنَبدأ من إعلان “هيئة الإذاعة البريطانية” في سبتمبر/ أيلول الماضي عن وقف بثّ خدماتها الإذاعية بعشر لغات، من بينها الخدمة العربية التي انطلقَت عام 1938. كيف استقبلتُم في راديو “بي بي سي عربي” هذا الإعلان؟

لا شكّ أنّ الإعلان كان صادماً ومُحبِطاً لنا نحن أبناء الراديو، خصوصاً أنّه يُنهي، بجرّة قلمٍ، هذا الإرث الكبير الذي صنعَته، على مدار خمسة وثمانين عاماً، محطّةٌ إذاعية حظيت بالاهتمام والتقدير، وكانت مصدراً للأخبار في مرحلة معيَّنة.

في طفولتي خلال الستّينيات، حين لم يكن ثمّة أيُّ صوت غير صوت الإعلام الرسمي، كنتُ أجلس مع والدي وجدّي في غرفة مغلَقة للاستماع إلى “بي بي سي عربي”؛ إذ كان الناس يخشون مِن أن يُضبَطوا وهُم يستمعون إليها؛ لأنّها كانت تُعدُّ إذاعةً مُعادية. ولهذا السبب، كانت تتعرّض لتشويش كبير يُحدِث صفيراً يصمّ الآذان. وفي المقابل، كان مُستمعوها يتعاملون مع الأمر بصبرٍ غريب؛ فيُميلون الراديو إلى هذه الزاوية أو تلك، ليستمعوا إلى أخبار مختلفة عن تلك التي يبثُّها الإعلام الرسمي.

لا أُخفيك بأنّنا كنّا على علمٍ بأنّ شيئاً ما سيحدث؛ بسبب المعلومات الرسمية التي كانت تصلنا خلال السنوات الأخيرة. كانت هناك استقطاعات مالية كبيرة، وقد حاولَت خدمةُ “بي بي سي عربي” عموماً، والراديو خصوصاً، أنْ تتماشى مع المطلوب منها، وجرى نقلُ بعض البرامج من لندن إلى عمّان والقاهرة. لكنَّ كلَّ شيء كان متوقَّعاً إلّا الإقفال.

 

كيف نفسّر قرار الإغلاق: بالأعباء المادية، أمّ بتراجُع اهتمام الناس بالإذاعة في مقابل رواج المحتوى المنشور عبر المنصّات الرقمية، أم بالأمرَين معاً؟

منذ الإعلان عنه، أثار القرار غضباً عارماً لدى الجمهور والعاملين في “بي بي سي عربي” على حدّ سواء، كما أثار تفسيرات وتعليقات عديدة؛ حيث رأى البعض أنّ الخطوة تعكس تراجُع الاهتمام السياسي البريطاني بالعالَم العربي، في حين قال آخرون إنّ الغرب سيطر على العالَم العربي وهيمن على قراره، ولم يعد بحاجة إلى إذاعات تبثّ باللغة العربية، بينما ربطَ آخرون الإغلاق بوفاة الملكة إليزابيث الثانية وتولّي ابنها تشارلز العرش، مُعتبرين أنّ بريطانيا لم تعُد تهتمّ بالجمهور العربي كما في السابق.

كثيرٌ من تلك الاجتهادات دافعُها هو حبُّ الناس لهذه المحطّة الإذاعية وحزنُهم على إغلاقها. لكنّها تغفل عن حقيقة أنّ “بي بي سي” مستقلّةٌ تماماً، وقرارُها خاصّ بها، بمجلس أمنائها، وليس للحكومة ولا للهيئة المالكة سلطانٌ عليها. هي إذاعةٌ وطنية تُمثِّل الدولة البريطانية بكلّ مكوّناتها؛ من معارضة وحكومة وجيش، وجميعُ هذه المكوّنات متساويةٌ فيها؛ إذ لا تميل “بي بي سي” إلى جهةٍ على حساب أُخرى، ووحده البرلمان له الحقّ في مُساءلتها. إذن، ليس القرارُ سياسياً، وهو، برأيي، لا يعكس تراجُعاً في الاهتمام البريطاني بالمنطقة العربية.

في “بي بي سي”، تَعلّمنا أن نعود إلى “أصل الخبر”، أي إلى مصدره. وأصلُ الخبر هنا هو أنّ الإغلاق يأتي ضمن خطّة فرضَتها ظروفٌ مالية ضاغطة. تقول إدارة “بي بي سي” إنّ الراديو، بشكله الحالي، لا يحظى بالإقبال المطلوب، وأنّ إقفاله سيُتيح مزيداً من الاهتمام بجمهوره، لكن عبر منصّات أٌخرى: التلفزيون والموقع الإلكتروني وشبكات التواصل الاجتماعي، إضافةً إلى منصّات رقمية ستُطلَق مستقبَلاً. بمعنى أنّه لن يجري التخلّي عن هذا الجمهور الكبير، وهذه مسأَلة مُطمْئنة.

هذا ما تقوله الإدارة، ولنا حرية أن نقبل به أو نرفضه. وشخصياً، أنا لستُ مقتنعاً جدّاً بهذا الكلام؛ خصوصاً أنّ أفكاراً ومقترحات أُخرى، غير الإغلاق، كانت قد طُرحت مِن قِبل العاملِين والنقابات، ولكنّها لم تجد صدىً. غير أنّني، مِن جهةٍ أُخرى، أجدُني متفّهماً هذا القرار الصعب؛ لأنّه مرتبطٌ بإكراهات مالية. أنا متأكّدٌ أنّه لو كان ثمّة حلٌّ ممكن آخر لجرى اتّخاذُه.

مع ذلك، أجدني أتساءل أيضاً: ماذا عن القوّة الناعمة التي كانت إذاعة “بي بي سي” العربية تُمثّلها على مدى ثمانية عقود؟ إنّها قوّةٌ ناعمة وإرثٌ ضخمٌ لا يُقدَّر بثمن. ولا شكّ أنّ إغلاقها، اليوم، يُشكّل خسارةً كبيرة لبريطانيا والعالَم العربي.

 

ستتوقّف الإذاعة رسمياً اليوم، بالتزامُن مع ذكرى إطلاقها في مثل هذا الشهر قبل أربعة وثمانين عاماً. كيف تعيش، على الصعيدَين الشخصي والمهني، الساعات الأخيرة من هذه التجربة الطويلة؟

في الثالث من الشهر الجاري، مرّت ذكرى انطلاق راديو “بي بي سي عربي”، وسيتوقّف بثُّه عند الواحدة ظُهرَ اليوم الجمعة (27 يناير/ كانون الثاني) بتوقيت غرينيتش. شخصياً، أعيش حالةً لا تُوصَف من الحزن والاضطراب. أُشبّه “بي بي سي”، دائماً، ببيت العائلة في قريتي بمصر؛ ذلك البيتُ الذي تظلُّ أبوابه مفتوحةً على الدوام، ويستقبلنا أهلُنا وأحبابُنا فيه بكثير من الضيافة والاهتمام كلّما عُدنا إليه. لكَ أنْ تتخيَّل شعور شخص يعود إلى بيت عائلته فيجده مغلقاً دونه.

ابتعدتُ قليلاً عن راديو “بي بي سي عربي” بسبب جائحة كورونا وتغيُّر الصيغة الإدارية مِن عامل إلى متعاوِن. لكنّ هذا لم يُغيّر شيئاً مِن جوهر وجودي على الهواء وتواصُلي مع الناس عبر ميكروفونه الذي قضيتُ ثلاثين سنةً أمامه. أنا مِن الذين ينتمون إلى هذا المكان؛ فقد تعلّمتُ من أساتذتي في “جامعة القاهرة” – وبالمناسبة سأُكمل قريباً خمسين سنةً من العمل الإذاعي – أنْ أكون شغوفاً بعملي ومُبدعاً فيه ومُنتمياً إليه، وليس مجرَّد موظَّف ناجح. هذا الشغف والانتماء هما ما يجعلني أشعر بأنّ شيئاً ما يُقتطَع مِن وجداني ومِن ذاكرتي.

 

يقودني هذا الحديث لأسألك عمّا بعد راديو “بي بي سي عربي”… هل سنراك في محطّات أُخرى؟ هل سنستمع إلى صوتك مجدَّداً، ربما عبر الأنترنت أو التلفزيون؟

الحقيقةُ أنَّ كلَّ الخيارات واردةٌ في اللحظة الحالية. اعتدتُ أنْ أكون مذيعاً، ولديَّ متابعون كثر، فبرنامجي “همزة وصل”، الذي أُفاخر به منذ أكثر من عشرين سنة، لديه مستمعون تخطّو المليون. لذلك، أريد أنْ أجد صياغة معيَّنةً تضيف إلى رصيدي ولا تخصم منه، وتحتفظ بهذا الزخم. ما هو الشكل والمنصّة وما هي صورة هذه العودة؟ أحتاج إلى التفكير مليّاً في ذلك.

 

كتبتَ، في حسابك على فيسبوك، أنّ “بي بي سي عربي” أكبرُ وأعظم من أن يمضي في صمت، أو أنْ يُترَك الراديو ليودّع نفسه وحيداً. هل ترى أنّ هذه الإذاعة العريقة تُغلَق اليوم في صمتٍ لا يليق بتاريخها؟

الراديو كان هو “البي بي سي”؛ إذ لم تكن هناك إذاعةٌ أُخرى غيرها. لذلك، ليس مقبولاً أنْ يُغلَق في صمت. في القسم العربي، ثمّة أقسامٌ أُخرى قائمة بذاتها: التلفزيون، والموقع الإلكتروني، والمنصّات الرقمية، وإنتاج البرامج. وعلى هذه الأقسام أنْ تحتفي بتاريخ الراديو وأنْ تعمل على إبرازه، لا أنْ يُترَك ليودّع نفسه بنفسه، وكأنّه يمضي ويُقفل الباب وراءَه. ينبغي أن يَكون الوداعُ جليلاً وكبيراً يليق بتاريخ “بي بي سي عربي”. ولا أُخفيك أنّ ما طلبتُه يحدث الآن.

 

كيف تتصوَّر شكلَ هذا الاحتفاء؟ هل باستمرار البرامج والأخبار في صيغة رقمية مثلاً؟ أم باستعادة الأرشيف الهائل لـ “بي بي سي عربي” على مدار خمسة وثمانين عاماً وإتاحته عبر الإنترنت؟

ما قصدتُه في المنشور الذي أشرتَ إليه هو الاحتفاء الأخير، أي لحظةَ توديع “بي بي سي عربي”. لكنّ ما طرحتَه هنا مهمٌّ جدّاً؛ فمِن الضروري أن يجد الملايين من مستمعينا منصّاتٍ للتواصُل معنا بعد إقفال الإذاعة. إرثُ “بي بي سي” هو كنزُها الأكبر. لدينا كنوزٌ لا يملّ الناس من إعادة الاستماع إليها. أذكر، على سبيل المثال، برامج “قول على قول”، و”شكسبير”، و”الأدب العالمي”، وبرامج تعليم اللغة الإنجليزية، وبرامج إخبارية مثل: “التجارة والمال”، و”الرأي الآخر”، و”أضواء”… إذا أردنا إتاحة هذا الأرشيف على الإنترنت، فسيحتاج الأمر إلى عملٍ كبير. لا تنس أنّ معظمها مسجَّلٌ على شرائط، وتحويلُها إلى الديجيتال يتطلّب جهداً وميزانية كبيرَين. لكنّني واثقٌ أنّ ذلك سيتحقّق بطريقة أو بأُخرى.

 

صوتُ محمود المسلَّمي رافق مستمعي “بي بي سي عربي” على مدار عقود. لو أردنا أن نستعيد هذه التجربة منذ اللحظة الأُولى إلى اليوم. ما الذي ستُخبرنا به؟

إنّه مشوارٌ طويل؛ فقد بدأ غرامي وارتباطي بإذاعة “بي بي سي” منذ الطفولة. كانت لوالدي طقوسٌ في الاستماع إلى “البرنامج العام” للإذاعة المصرية… القرآنَ الكريم وأحاديث الصباح، ثمّ يُعرّج على “إذاعة لندن”… نستمع إلى قرآن الافتتاح – أتذكّر هنا صوت الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي – ثمّ إلى البرامج والأخبار التي كانت تأتي متقطّعةً بسبب التشويش، وكان يُبدي صبراً كبيراً حتى يستمع إلى تلك الأصوات.

بمرور الوقت، تبلورَت لديّ الرغبة والأمل في أن أُصبح مذيعاً يوماً. وبعد تخرُّجي مِن كلّية التجارة في “جامعة الزقازيق” في يونيو/ حزيران 1975، تقدَّمتُ إلى اختبار في الإذاعة المصرية (أكتوبر/ تشرين الأوّل من العام نفسه) ونجحت؛ حيث حللتُ في المرتبة الثالثة بأعلى معدَّل في الصوت (85 % في ذلك الوقت). التحقتُ، بعدها، بإذاعة “صوت العرب”، ثمّ سافرتُ إلى عُمان، قبل أن أعود إلى مصر سنة 1990، وألتحق بـ”صوت العرب” مُجدَّداً. أذكُر أنّ عودتي تزامنَت مع غزو الكويت الذي أحدث حالة طوارئ في الإذاعة. وقد بثّت، لأوّل مرّة، لأربعة وعشرين ساعةً متواصلة.

 

كيف التحقتَ براديو “بي بي سي عربي”؟

بعد شهر أو شهرَين من عودتي إلى مصر، علمتُ بوجود وفد من “بي بي سي” يُريد الالتقاء بي. جاؤوا إليَّ ومعهم استمارة قبول لأنّهم سمعوا باسمي. جرى الاتفاق، ووصلتُ إلى لندن في السادس من أغسطس/ آب 1991. ومنذ تلك اللحظة، وأنا منغمسٌ في “بي بي سي عربي. تفرّغتُ للإذاعة تماماً؛ فحتى أسفاري مرتبطةٌ بالعمل، وقراءاتي أيضاً؛ إذ أقتني كتباً تُفيدني في البرامج الإذاعية.

في اليوم التالي لوصولي إلى لندن، قرأتُ نشرة أخبار الخامسة بتوقيت غرينيتش، وكان ذلك بمثابة إعلان التحاقي بـ”بي بي سي عربي” قارئاً للنشرات ومقدّماً للبرامج السياسية. بحكم تجربتي في الإذاعة المصرية، كنتُ أحبّ العمل البرامجي، إلى جانب العمل الإخباري الذي كان لي باع طويل فيه، لكنّني عملتُ في البرامج على استحياء، بسبب الفصل الكبير بين الأقسام في “بي بي سي”.

في بداياتي تلك، قدّمتُ فقرةً قصيرة من خمس دقائق ضمن برنامجٍ من نصف ساعة خاصّ برأس السنة، ولاقت قبولاً هائلاً، بسبب إيقاعها المختلف ومحتواها الطريف. وبعدها بسنتَين، أنجزتُ البرنامج كاملاً. وفي رأس السنة التالية، قلبتُ البرنامج رأساً على عقب؛ إذ فكّرتُ في برنامجٍ على طريقةِ “ألف ليلة وليلة” عن مواهب المذيعين وهواياتهم. أسميتُه “ما لا يعرفه المستمعون”، واستعنتُ فيه بموسيقى ريمسكي كورساكوف، وصوت الراحل الكبير فاروق الدمرداش الذي قرأ المقدّمة… وقد تواصل البثّ حتى الرابعة صباحاً.

استمرّ البرنامجُ لثلاث أو أربع سنوات، مُحقّقاً نجاحاً كبيراً؛ حيث، ولأوّل مرّة، تنافسَت فرقٌ من المذيعين والموسيقيّين من بلدان عربية مختلفة، بحضور جمهورٍ يقارب أربعين شخصاً في إستوديو كبير بالمبنى القديم للإذاعة، باستخدام 13 ميكروفوناً. وكان ذلك شكلاً جديداً تماماً في البرامج الإذاعية.

أمّا تجربتي الأكبر؛ فهي برنامج “همزة وصل” الذي بدأتُه خلال فترة كانت “بي بي سي” قد ألغَت البرامج فيها، واكتفت بالأغاني والبرامج السياسية. قلتُ للزميل مصطفى أنور، مسؤول المذيعين: دعنا نُقدِّمْ خواطر للناس بين الأغاني، فليس من المعقول بثّ أغنيات بشكل متواصل. وفي اليوم التالي، اقترحتُ تقديم ساعةٍ يومية تعتمد على التواصل مع الناس، فأسعده مقترحي. وبعد فترة، فاجأني بقرار اعتماد البرنامج الذي سمّيتُه “على الهواء مع الأصدقاء”، وقلتُ للمستمعين، حينها، إنّني لستُ جاهزاً بعد، وطلبتُ منهم مشاركتي في اختيار اسمٍ له، ولعلّها كانت تجربةً نادرة أن يُشارك المستمعون في اختيار عنوان برنامج. هكذا، حمل البرنامج اسم “همزة وصل”، وقد استمرّ قرابة سبعة سنوات، قبل أن يتوقّف، ليعود قبل قرابة تسع سنوات، وقد واكب التحوُّلات التي أحدثتها الوسائط الجديدة؛ إذ أصبح المستمِع يُعدّ ويقدّم البرنامج؛ فهو، إذن، برنامجٌ من إعداد الأصدقاء بالكامل.

خلال الفترة الأُولى من البرنامج، كنّا نستقبل قرابة أربعة آلاف رسالة أسبوعياً، وهو ما يعني أنّه أدخَل فكرة “السوشل ميديا” إلى الإذاعة في وقت مبكر. كان للبرنامج أيضاً الفضلُ في بروز مذيعين وممثّلين وشعراء وكتّاب هُم نجوم الآن. وهذه تجربة أعتزُّ بها كثيراً، فعندما يُذكر اسم محمود المسلَّمي يُذكَر برنامج “الهمزة”.

 

يُتبَع…

كاتب وصحافي جزائري ومؤسّس موقع “رحبة”. من مواليد 1983. بدأ الكتابة الصحافية مدوّناً في 2005، قبل أن يعمل في عددٍ من المؤسّسات الصحافية الجزائرية والعربية، بين الصحافة المكتوبة والإذاعة والتلفزيون. صدرت له مجموعة قصصية في 2008، ورواية في 2013.

لتصلك أحدث قصصنا على بريدك الإلكتروني
التعليقات
شاركنا رأيك!
لا توجد تعليقات!

قصص رائجة

معذرة, لا يوجد محتوي لعرضه!
قصص قريبة