كان بالإمكان تصديق كلام السلطة لولا أنّ سلوكها يُؤكّد بأنّها لا تعترض على التملُّق في حدّ ذاته، بل على طريقة مُمارسته. يعني ذلك أنّها تُطالِب بابتكار أساليب جديدة في تملُّق الرئيس، وتجنُّب الأساليب القديمة التي "تُعيد إلى أذهان الجزائريّين حقبة مشينة".
لا تُبشّر المعطيات المتوفّرة حول المحطّة الإخبارية الجزائرية، التي بدأ بثُّها التجريبيُّ قبل أيّام، بميلاد قناة مؤثّرة وقادرة على منافسة قنوات الأخبار العالمية. لكنَّنا سنرى مؤشّرات سلبيةً أُخرى على شاشة المحطّة حتى قبل انطلاق بثّ برامجها رسمياً.
يُؤكِّد الرئيس الجزائري لمحاوِرَيه ألّا وجود لأيّ تابوهات، وبأنّهُما حُرّان في طرح الأسئلة. لكنَّه يُغفِل أنَّ تحديدَ نوعية الأسئلة يبدأ بتحديد نوعية الصحافيّين الذين يُحاوِرونه في لقاءاته الإعلامية الدورية.
لا يغطّي محمد شرفي، رئيس ما يُسمّى "السلطة الوطنية المستقلّة لمراقبة الانتخابات"، أنفه بكُرةٍ حمراء، لكنّه يؤدّي دور المهرِّج ببراعة منقطعة النظير. ثمّة موهبة تتجاوزُ الابتسامةَ البليدة والنظرات البلهاء والقدرةَ على إلقاء النكات - التي لا تُضحِك أحداً في حالته.
ما يتمنّاه التونسيّون يتخيّلون بأنَّ الجزائريّين قد حقّقوه، والعكس صحيح، في حين أنَّ البلدين يراوحان مكانهما منذ سنوات. هذه الصُّوَر المتخيَّلة التي تسير ذهاباً وإياباً ليست سوى "أزهار شرّ" متبادَلة مِن دون قصد.
يبدو مشروع "الجزائر الجديدة" صعبَ التجسيد؛ فقد تواصَلت المسيرات الشعبية بعد الانتخابات الرئاسية التي شهدت مشاركةً ضعيفة، بما أظهر أنَّ مجرَّد تجاوُز مسألة شغور منصب الرئيس لا يُقدِّم حلّاً للأزمة السياسية.
لم يتضمَّن خطابُ الرئيس الجزائري، في "عيد الشهيد"، كلمةً واحدة عن الاستعمار. وفي المقابِل، تضمَّن عناصرَ محدَّدةً أراد إبلاغها للشعب قُبَيل الذكرى الثانية لانطلاق الحَراك، والتي يبدو أنّها تُحرج السلطة.