لولا أنّ…
كان بالإمكان تصديق كلام السلطة لولا أنّ سلوكها يُؤكّد بأنّها لا تعترض على التملُّق في حدّ ذاته، بل على طريقة مُمارسته. يعني ذلك أنّها تُطالِب بابتكار أساليب جديدة في تملُّق الرئيس، وتجنُّب الأساليب القديمة التي "تُعيد إلى أذهان الجزائريّين حقبة مشينة".
صبّت رئاسة الجمهورية الجزائرية غضبها على مسؤولي جامعةٍ في باتنة احتضنت تكريماً للرئيس “بواسطة لوحة تعيد إلى أذهان الجزائريّين حقبة مشينة“، بحسب ما ورد في بيانٍ لمديرية الاتصال في الرئاسة، اعتبرَت فيه أنّ “هذا التصرف السيّئ لا يمتّ بصلة إلى طريقة تفكير السيّد رئيس الجمهورية، ولا إلى التقاليد التي يعمل على ترسيخها منذ تولّيه رئاسة الجمهورية“.
من التقاليد التي يعمل الرئيس على ترسيخها إسقاطُ “تصرّفات وسلوكات التملُّق“، مثلما نقرأ في البيان الذي يُذكِّر بأنّ تبّون طالَب، في خطاب تنصيبه، باستبدال عبارة “فخامة الرئيس” بـ”السيّد الرئيس”.
كان بالإمكان تصديق هذا الكلام لولا أنّ سلوك السُّلطة، منذ تنصيب تبّون، يُؤكّد أنّها لا تعترض على التملُّق في حدّ ذاته، بل على طريقة مُمارسته. يعني ذلك بأنّها تُطالِب اليوم بابتكار أساليب جديدة في تملُّق الرئيس، وتجنُّب تكرار الأساليب القديمة التي “تُعيد إلى أذهان الجزائريّين حقبة مشينة”.
الظروف البيداغوجية والاجتماعية الكارثية التي تعيشها الجامعة هي مِن إنتاج السُّلطة نفسها
قضَت السُّلطة، خلال السنوات الثلاثة الماضية، على الحياة السياسية التي كانت نشِطةً، وإنْ بشكل صُوري، في فترة الراحل بوتفليقة، وعمدت إلى تكميم الأصوات المُعارِضة؛ في مواقع التواصُل الاجتماعي، وفي وسائل الإعلام التقليدية.
يُواصِل الإعلام الحكوميُّ دوره كوسيلة دعائية في يد المجموعة الحاكمة، ضارباً عرْضَ الحائِط بدوره كوسيلة عمومية تُمثّل الجزائريّين بمختلف أطيافهم وتوجُّهاتهم، ووُضِع الإعلام الخاصُّ تحت الوصاية بشكل غير مسبوق، بالموازاة مع انتشار دكاكين إعلامية جديدة تُزايِد في تملُّق الرئيس والسلطة بأساليب فجّة، وتُكافَؤ على ذلك بالمال العام.
ومِن الطريف، هنا، أنْ يستخدِم صحافيّون وكتّاب وسياسيون البيانَ نفسَه – الذي يُفترَض أنّه يرفض تملُّق الرئيس – لتملُّق الرئيس والسلطة بشكل سافر تجاوزَ بأشواطٍ ما حدث في جامعة باتنة.
كتب بعضُهم مُهاجماً الجامعة، الجامعة الجزائرية بشكل عام وجامعة باتنة بشكل خاص، قائلاً إنّ أفضل تكريم تُقدّمه للرئيس هو تحسين مستواها العلمي وترتيبها بين جامعات العالَم؛ وهذا كلامٌ فيه كثيرٌ من المزايَدة؛ إذ يتجاهَل أنّ الظروف البيداغوجية والاجتماعية الكارثية التي تعيشها الجامعة الجزائرية هي مِن إنتاج السُّلطة نفسها.
كاتب وصحافي جزائري ومؤسّس موقع “رحبة”. من مواليد 1983. بدأ الكتابة الصحافية مدوّناً في 2005، قبل أن يعمل في عددٍ من المؤسّسات الصحافية الجزائرية والعربية، بين الصحافة المكتوبة والإذاعة والتلفزيون. صدرت له مجموعة قصصية في 2008، ورواية في 2013.