وقع إلياس، وكذا أنا، في غرام أغاني الشاب حسني، واكتشفنا أنّنا لا نريد أن نسمع سواه! وهنا بات يسألني عن كلمات الأغاني كما لو أنّي وهراني أباً عن جد! الأمر شاق يا إلياس! الأمر شاق يا قوم! ولا يتعدّى الأمر التقاطي لبعض العبارات. لكن صوت حسني كفيل بكل شيء.
تصرَّف بوبي بشكل سيّء بينما كان ثمّة ضيوفٌ على مائدة العشاء، فركله أبي. بعد مغادرة الضيوف، انتبَهنا إلى غيابه. بحثنا في كلّ أرجاء البيت مِن دون أن نعثر عليه. "ربّما أعرف مكانه". قال أبي ذلك، وطلب منّا أنْ نرافقه إلى كوخٍ بناه في مزرعةٍ له غير بعيدة.
أتذكَّر لقطةَ الهدف الذي سجَّلَه محرز أمام زيمبابوي. في تلك اللحظة شعرتُ بغيرة لا تُوصَف، فنحن الكُراتُ نغار مِن بعضنا البعض. والحقيقةُ أنَّني عشتُ أيّاماً عصيبة. صارت غيرتي ناراً وقودُها كلُّ الصور والفيديوهات التي نشرَتها تلك الكرة لتتباهى بما حدث.
لم يدخل والدي مدرسة يوماً، واكتفى بكُتّاب القرية؛ حيث حفظ بعض أجزاء القرآن الكريم. غير أنه كان يتمتّع بثقافة واسعة وسُرعة بديهة في فنّ الحديث لا حدود لها. كانت شخصيّتُه تلمع في الجلسات، وكان نجم الأعراس والمواعيد الحاسمة التي تتطلّبُ مُتحدِّثا جيّداً.
أُقيمت على شرف الحَكم الإسباني مأدبةُ عشاء كان السمكُ طبقَها الرئيسي. ولعلَّ المنظمّين ظنّوا أنه الاختيار الأفضَل، غير أنَّ الضيف سيُغادر المطعم مستاءً: "توقّعتُ أن يكون الكسكسيّ أوَّل طبَقٍ أتناوله في بلدكم... لكنَّ السمك جعلني أشعر أنّني لم أغادر برشلونة".
أتذكّر لحظة وصولي إلى المسرح الملكي. كانت عربات الكوتشي تتوافد على المدخل، تحمل أقواماً من الأميركيّين والأوروبيّين. لمحتُ بينهم رونالد ريغان. وبدت لي القبّة الحمراء الخمريّة مثل نهد بحلمة داكنة تعوم في النبيذ.
شعر الطفل بالحزن قليلاً، حسنًا، ما يتوهم أنه حزن، حتى لا يزعج والدته، ولكنه لا يشعر بأي شيء. تجمّدت الأم في مكانها، أمام الجثة الصغيرة، بليك، ينفد صبره، سحبها من ذراعها "أمي، هيا بنا، لا فائدة من البقاء هنا، لقد مات، هيا نذهب سأتأخر عن كرة القدم".
شيئاً فشيئاً، اندمَجت السائحة الفرنسيةُ مع الشاب الذي راح يلعب دور المُرشِد السياحي. وبدا أنَّ الدنيا تضحك لصاحبنا مع كل ابتسامة تُفرِج عنها، ومع كل لحظة إعجاب تُظهِرها حين يُحدّثها عن مآثر منطقته التاريخية... ضحكةٌ فابتسامةٌ فسلامٌ... فموعد للرحيل.