كانت المشرفة على الصفحة الفنية مثل آلة إخصاء بشرية؛ لم تكن تسمع فكرة حتى تُتفّهها لتجدها مثل حمامة مذبوحة تحت قدميك بعد أن كانت ترفرف في ذهنك. طبعاً، كنتُ أودّ أن أحاور بليغ حمدي، لكنني لم أنبس باسمه أمامها.
على الأرجح أنّ فتحي الأخرس يُضاجع صباح الهبلة عند الساقية. وليخفي الأمر، لجأ لجماعة الشائعات فاخترعوا شائعة أنّ روحًا تحوم حول الساقية لشاب قُتل أو انتحر عندها، وأنّ صباح تشتهي الكلاب وقد أنجبت من أحدها كائنًا مَخفيًّا في سرايا مهجورة على طرف القرية.
مندهشاً، يُتابع حفيدي من الشرفة اليمامةَ وهي تمرُّ بجوار السيّارات الرابضة، ثم تصعد إلى الرصيف وهي مستمرّة في البحث عن الطعام. منظرُها أعجبه. ينفتح بابُ بيتٍ أمامي ويخرج منه رجُلٌ يتّجه إلى عمله. تطير اليمامة وحفيدي بتابعها مشيراً إليها: عصفورة عصفورة!
الرجُل المنشغل بقراءة جريدة في زاوية من المقهى يأسر قلبي منذ سنوات المراهقة. وها قد تحوّلت جلستي الآن، في وجود سي لخضر المستغانمي؛ شاعر الملحون الذي أحفظ كلّ قصائده وأحتفظ بصُوَره وتصريحاته وحواراته الصحافية، إلى لحظات من القلق الممزوج بفرحة طفولية.
خفق قلبُه بينما راح يُشرِع باب الخزانة الموارِب، وهو يسترجع ما حدث ليلة أمس. للحظةٍ شعر أنه قد جُرِّد مِن ملابسه. خبط كفّاً بكفّ، ثم خبط على رأسه مِن الصدمة وهو يرمق الخزانة الخاوية. مدّ أصابعه يتحسّسها كأنه لا يصدّق عينَيه، لكنَّ الفراغ هو ما لمسَته.
بدايةً من الغد، ستجد في قاعة تدريباتك ثلاثة ممثّلين هم بصدد الإعداد لمشروع مسرحية كتبتُها. لا أودّ أن يتفرّجوا عليك فحسب، أتمنّى لو تتيح لهم الاندماج أكثر في عالم الملاكمة. أن يلامسوا الحلبة وخيوطها، ويرتدوا القفّازات الكبيرة، وأن يَضرِبوا ويُضرَبوا.
كان الغرابُ على غصن شجرة وهو يحملُ قطعة جبنٍ بمنقاره حين رأى الثعلب قادماً. واصل الثعلبُ طريقه مِن دون أن يلتفت إليه أو ينبس ببنت شفة. لقد كان بإمكانه أنْ يُلقي عليه تحيّةً لطيفة، لكنَّه يعلم أنّ الغرابَ سيعتبرُ تحيّتَه مجرّدَ حيلة ليحصُل على الجبن.
بيتٌ قديم أرى جانباً مِن سطحه المُطلّ على الشارع. على السطح، شدّت انتباهي شابّة واضحة التقاسيم، جلبابها البسيط يكشف أعلى الصدر، ويُعرّي ذراعَين بلون صباحنا المنعش. ببطنها تلامِس سور السطح، وتُطلُّ على الشارع مشغولةً بجمع الملابس المنشورة على حبال رفيعة.
لديه مشكلةٌ معي. أعرف ذلك؛ فأنا زبونٌ ثقيلٌ يقضي نهاره ملتصقاً بالكرسيِّ دون أنْ يسمح لزبائن آخرين بالتداوُل عليه بطريقةٍ سلمية كما يُفترَض في أيِّ مقهىً محترم. بعضُ الملتصقين يحتاجون ثورةً ليتزحزحوا عن أماكنهم، وثورةُ النادلِ المتذمّر لم تأتِ أبداً.