الكرة الإيطالية.. هل قلتُم ليست أكثر من لعبة؟

انزرعت كرة القدم ضمن الثقافة العامّة بشكل سلس، وتحوَّلت إلى محرّك إنتاجي جديد للهوية الوطنية. جرت "فلسفة" اللعبة، ودخلتها ملامح من التنظير والتنظيم العسكري. وككلِّ شيء في إيطاليا، امتزج فيها الفن بالعلم.

الكرة الإيطالية.. هل قلتُم ليست أكثر من لعبة؟
(ألوان الفرق الإيطالية لموسم 1940/ 1941 في عدد من مجلّة الأطفال "corriere dei piccoli")

مثل معمار كوليزيومٍ روماني، يمكِن أن نتمثَّل كلّ ثقافة. أحياناً نختصرها في عدد من البوّابات الرئيسية: الدين، التاريخ السياسي، الأدب… لكنَّ المنافذ المؤدّية أكثر مِن ذلك؛ فحين نودّ الولوج إلى ثقافة مركَّبة في بلد مثل إيطاليا، يمكن الارتماء في العوالم الأوبرالية التي صنعها فيردي وروسيني في القرن التاسع عشر، أو الأغاني الخفيفة لنهاية القرن العشرين مع توتو كوتونيو ورامازوتي، ويمكن العبور أيضاً من خلال لوحات رافاييلو ودافنشي، وعبر المطبخ الإيطالي بأطباقه التي غزت العالَم. ويمكن أن يقودنا أدب دانتي أو إيتالو كافينو، تماماً مثل تنظيرات مَكيافيلي وطوني نيغري، أو سينما روسيليني وفيليني وفيسكونتي، ويمكن أن نذهب إلى إيطاليا ذاتها فيدوّخنا بهاؤها ونحن ننتقل من الحداثة الصناعية الفائقة في ميلانو وتورينو إلى مدن/ متاحف مثل روما أو البندقية.

وهناك مدخل آخر: كرة القدم.

إنه المدخل الذي فعّله فوز إيطاليا بـ”كأس أوروبا” يوم الأحد الماضي مِن ملعب “ويمبلي” في لندن… هنالك، تحديداً، حيث اختُرعت اللعبة وصيغت بشكلها العولمي الحالي منذ قرن ونصف تقريباً. وكأنَّ الإيطاليّين ذهبوا إلى هيكل كما كان يفعل أباطرة القرون القديمة كي يُشهدوا العالم على “ريناشيمنتو” جديد. في العربية، يُترجَم هذا المصطلح عادةً بـ”عصر النهضة”، أمّا معناه الحرفي فهو “إعادة الولادة”، ولعلّه أقرب إلى توصيف ما حدث.

لهذا الفوز نكهة خاصة، فقد أتى من اللامنتظر؛ حيث أنَّ أبطال أوروبا الجدُد ليسوا سوى فريق بصدد الترميم بعد أن فشلت “لا سكوادرا أتزورا” في بلوغ نهائيات كأس العالم عام 2018. بتشكيلة يغلب عليها لاعبون قادمون من فرق صغيرة لا تحلم بالألقاب، ذهب الفريق الإيطالي إلى أبعد نقطة. هكذا نفهم أنه يمكن اختلاق أسطورة بالاعتماد على وسائل صغيرة.

ربما كان الإيطاليون أوّل من انتبه إلى الوجه الجيوسياسي للعبة، فقد حرصوا على أن يكونوا أوّل الأوروبيّين الذين يُنظِّمون نهائيات كأس العالم في 1934. ولمّا كانت الفاشية تريد استرجاع أمجاد الإمبراطورية الرومانية، كان على المنتخب الإيطالي أن يُهيمِن على اللعبة باكراً، وهكذا فازت إيطاليا بدورتين متلاحقتَين، تحت قيادة المدرّب فيتوريو بوتزو، لتُصبح منذ “فجر” تاريخ كرة القدم في صدارة العالَم، قوّةً عظمى، وسيمتدُّ ذلك إلى زمن الصعود الكاسح للكرة البرازيلية في الستينيات.

قدّمَتُ كرة القدم بعض التعويض عمّا فشلَت فيه الطبقة السياسة الحاكمة والحالمة. وجدت النخب ما تخفي به عوراتها الكثيرة. فأن تكيل الهزائم، مثلاً، على فرنسا في مباريات كرة القدم قد يكون عزاء بعد خسارات فوق طاولة التقسيم الاستعماري لجنوب المتوسط. كما قد يخفّف رجاحة موازين القوى الكروية لصالحك حقيقة أن تكون الطرف الأضعف في التحالف العسكري مع ألمانيا.

يشبه فوز إيطاليا بـ”كأس أوروبا” 2021 عصر نهضة جديد لها، إنما في كرة القدم

يمكننا العودة أبعد من ذلك لفهم الدور الذي تلعبه كرة القدم، والمنتخب تحديداً. في القرن التاسع عشر، وحين كانت الإمبراطورية النمساوية المجرية تحتلُّ شمال إيطاليا، أطلق الأمير ماترنيك مقولته الشهيرة: “إيطاليا ليست أكثر من تعبير جغرافي”، في إشارة منه إلى عدم وجود روابط حقيقية بين سكّان البلاد تجعل منهم شعباً واحداً. أطلقت تلك المقولة حركة “إل ريزورجيمينتو” لتوحيد إيطاليا، فانصهرت النُّخَب السياسية والفكرية والفنية لتحقيق هذا الهدف.

تحقَّق ذلك بالتدريج بين 1848 و1870. لكنَّ الدولة الجديدة كانت مليئة بالثغرات والتناقضات كفكرة وكمؤسَّسة. كان التفاوت بين الشمال الصناعي والجنوب الزراعي يوحي بأنَّ البلد يعيش عصرَين في الوقت نفسه. وفي المدن الكبرى أخذ التفاوت الاقتصادي ينبئ بانفجارات اجتماعية متتالية. أمّا النخب فقد تشظّت بين النماذج الفرنسية والألمانية والبريطانية، والروسية لاحقاً.

ستستعمل الحركة الفاشية كلَّ هذه التناقضات كمصعد إلى السلطة. لم تكن تملك برامج حقيقية لإخراج إيطاليا من وضعها، لكنها ستُحسن التقاط الميولات الشعبية. كرة القدم ليست لعبة غريبة عن الإيطاليّين. فقط جرت قوننتها في بريطانيا وجرى مدّ شبكة عالمية مِن المباريات والمسابقات. سيوحي إطلاق فريق كرة قدم يعبّر عن إيطاليا برمّتها أن الوحدة بلغت هدفها. فإذا كانت النخب الإيطالية قد أكّدَت لأكثر من قرن بأن إيطاليا أكثر من تعبير جغرافي، فإن سياقات التاريخ جعلت من كرة القدم أكثر من لعبة.

بات “الكالشيو” (الاسم الإيطالي لكرة القدم) يحمل طموحات السياسة ويُحقِّق ما خاب فيه المثقّفون، ويلعب دور وسيلة تنفيس شعبية. ربما بسبب هذا التطلّب، انزرعت اللعبة ضمن الثقافة العامّة بشكل سلس، وتحوَّلت إلى محرّك إنتاجي جديد للهوية الوطنية. جرت “فلسفة” كرة القدم. دخلتها ملامح من التنظير والتنظيم العسكري. وككلِّ شيء في إيطاليا، امتزج فيها الفن بالعلم. باتت التركيبة الكروية الإيطالية جاهزة للعمل: قلب جامح، عقل هادئ، بعض من الإبداع مطلوب، وبعض من العنف لا يضر، مكيافيلية لبلوغ الهدف، ثم روح قتالية لتأمين الانتصار إلى نهاية المباراة. بهذه الخلطة، أحرزت إيطاليا كأس العالم في 1934 و1938، وبدا أنها ستظلّ تُحرزها إلى الأبد.

الفريق الإيطالي في 1938

(الفريق الإيطالي عام 1938)

لكنَّ الحرب العالمية الثانية ستمنع تنظيم كأس العالم خلال عقد الأربعينيات الذي تدمّرت فيه إيطاليا بسبب الهزيمة وانهيار النظام الفاشي، فباتت كرة القدم آخر الأولويات، ولن تعود إلى الواجهة إلّا في الستّينيات مع إعادة تطوير الفلسفة الإيطالية للكرة. وقتها اقتبس الإيطاليون نجاحات المدرّب الأرجنتيني إيلينيو هيريرا مع فريق “إنتر ميلانو” ليعودوا إلى القمّة مع جيل جياشنتو فاكيتي، وساندو مازولا، وجيجي ريفا.

لقد عاد في تلك الستينيات الطلب الشعبي على كرة القدم، بعد أن عالجت إيطاليا جراح البنية التحتية، بل ها هي تشهد صعوداً اقتصادياً لافتاً وإن كان تحت وصاية “مخطَّط مارشال”. شعب تتزايد ميولاته الاستهلاكية ويحتاج إلى “السعادة”، ولم ينس أن لديه مولّداتها المعاصرة. مرّةً أُخرى انتزعت إيطاليا تنظيم بطولة كبرى؛ كأس أوروبا 1968، ومرّةً أُخرى ستفوز بها وتنشر الفرح بين الإيطاليّين.

الخطوة الموالية ستتمثّل في تحقيق كأس العالم في المكسيك عام 1970، بما يعنيه ذلك مِن تحدٍّ للإمبراطورية الكروية البرازيلية المهيمنة على العالَم بقيادة زاغالو مدرّباً وبيليه لاعباً. بدا أنَّ كلَّ شيء يسير في الطريق الصحيح. مرور بالحد الأدنى من الجهد في الدور التمهيدي، ليكون أوّل اختبار حقيقي في الربع النهائي مع المسكيك أمام جماهيره، فظهر الفريق كقوّة ضاربة وفاز بنتيجة عريضة، قبل الاصطدام بألمانيا (جيل بيكنباور) في مباراة ملحمية انتهت بنتيجة 4 – 3 لصالح الطليان، ولم يبق سوى مقارعة البرازيل في النهائي للعودة إلى قمّة العالم.

سبق لكلٍّ مِن إيطاليا والبرازيل أن فازا بلقبَين قبل تلك المباراة، ما يعني أن المتوَّج لن يكون فقط بطل العالم في تلك النسخة، بل بطل تاريخ كرة القدم. انتظر الإيطاليون ذلك لعقود، وقد بات ممكناً أن يحلموا مِن جديد، لكنهم سيستفيقون على هزيمة مذلّة (4 – 1) ستتسبّب في انكسار نفسيّ لم يعالجه إلا الثأر من البرازيل ذاتها، مع جيل ذهبي آخر (زيكو، وسقراط، وفالكاو… ) في 1982.

باولو روسي حاملاً كأس العالم 1982

(باولو روسي حاملاً كأس العالم عام 1982)

في تلك النسخة، لم يكن الإيطاليون مرشّحين لنيل الكأس. باتوا أشبه بفريق يأتي من كتاب حول تاريخ كرة القدم، تماماً مثل حارس المرمى دينو زوف الذي تجاوَز عمرُه الأربعين وقتها. لم يفلحوا في الفوز في أيّة مباراة في الدور الأول رغم أنَّ المجموعة كانت في المتناول (بيرو، الكاميرون، بولندا)، لكنّهُم تمكّنوا من المرور إلى الدور الثاني بفضل القوانين الجديدة التي تتيح المرور لأفضل أصحاب المركز الثالث، ووجد الطليان أنفسهم في مواجهات مع تلك البرازيل الأسطورية ومع الأرجنتين المارادونية، ثمّ حقّقوا الفوز أمام دهشة العالَم وظهور شهابي لهدّاف اسمه باولو روسي قاد فريقُه إلى نيل كأس العالَم مجدَّداً، واسترجاع إيطاليا هيبتها.

صيف 1982. كان الجيش الإسرائيلي يقترف الجرائم المتتالية بعد اجتياح بيروت، مستفيداً من الانشغال بمتابعة كأس العالَم. حين عاد اللاعبون الإيطاليون كي يحتفلوا مع جماهيرهم، أهدوا التتويج إلى المقاومين الفلسطينيّين. عقدت تلك الحركة علاقة متينة وعميقة بين كرة القدم الإيطالية والبلاد العربية لا تزال أواصرها واضحة إلى اليوم، وكان نهائي “يورو 2021” مناسبة للتأكُّد من ذلك.

لقد ظهر وجه من الشهامة والنزعة الإنسانية لم يكن يتوقّع أحد أن يكون مصدرَه لاعبو كرة القدم. لم يعد الانتصار الإيطالي يعني الإيطاليّين وحدهم.  لقد عرفوا كيف يجعلون فرحهم عالمياً. تنضاف تلك الحركة إلى الروح المرحة التي يحبُّها الجميع لدى أحفاد دانتي، فيغفرون لهم عدم تورُّعهم في التحيُّل على المنافسين للانتصار عليهم.

صارت الكرة الإيطالية – ولأسباب عديدة أُخرى – شأناً عالمياً. لم يعد ممكناً تفسير ما يحدث فيها بمعطيات إيطاليا وحدها. في تلك الثمانينيات، جاءها أبرز اللاعبين من كلّ فج عميق، أتى مارادونا إلى نابولي، وماتاوس إلى “إنتر”، وسقراط إلى “فيورنتينا”، وبلاتيني إلى “يوفنتوس”، وفان باستن وغوليت إلى “ميلان”، وفالكاو إلى “روما”… وفي الرحم الإيطالي هذا نمت مواهب هي التي ستمنع إيطاليا من المحافظة على القمّة.

عام 1986، لم يكن من الممكن إيقاف الأسطورة المارادونية وقد اشتغلت بكامل قوّتها بعد أن صقلتها ملاعب إيطاليا. في مباريات المجموعات، سجّل اللاعب الأرجنتيني هدفاً ضدّ إيطاليا لكنه لم يُطح بها، ترك المهمّة لميشيل بلاتيني في ثمن النهائي. لكنه في عام 1990، كان وراء تدمير أغلى أحلام الإيطاليّين بالتتويج فوق أرضهم، وإن ترك مهمّة التسجيل لزميله كلاوديو كانيجيا، لاعب “فريق أتالانتا” (الإيطالي أيضاً).

خلال تلك الدورة، بدا كلُّ شيء في صالح حلم الإيطاليّين الجديد. لا تبدو الفرَق الكبرى في أحسن أحوالها، بما في ذلك أرجنتين مارادونا التي خسرت بشكل مفاجئ أمام الكاميرون في المباراة الافتتاحية. ومع مرور المباريات، بدا الإيطاليّون في أحسن مستوى: والتر زنغا كان أفضل حارس مرمى خلال الدورة، ولم يدخل شباكَه أيُّ هدف إلا ذلك الذي سيُنهي الحلم الإيطالي، وأمامه خطُّ دفاع رهيب يقوده فرانكو باريزي، وبدأ يلمع فيه نجمُ باولو مالديني، كما ظهر سالفاتوري سكيلاتشي هدّافاً جديداً لا تمرّ مباراة مِن دون أن يسجّل اسمه فيها. وخلال نسخة كأس العالم تلك، وُلد لإيطاليا فنّان جديد اسمه روبيرتو باجو. لكن كلَّ ذلك انهار في نابولي أمام رفاق مارادونا الذي لن تغفر له إيطاليا ذلك.

ألبوم لصور لاعبي إيطاليا في كأس العالم 1990

(ألبوم لصور لاعبي إيطاليا في كأس العالم 1990)

لقد ظهر الوجه القاسي لكرة القدم حين تقرَّر في إيطاليا تدمير مارادونا. ليس انتقاماً لما فعله بالمنتخب الإيطالي في كأس العالَم، بل لمجمل ما فعله في سنواته الإيطالية؛ حين قلب الهرَم فوضع فريق الجنوب الفقير، نابولي، فوق فرَق الشمال الغنية. ما حدث مع مارادونا في إيطاليا كان مثل إضاءة على قاع حفرة يحبُّ الجميع ألّا يُطلّ على ما فيها، فوراء تلك المباريات الحماسية والأهداف الرائعة وصخب الجماهير، ثمّةَ كواليس مظلمة من حروب العصابات والمافيا وتجارة المخدرّات وفساد الشرطة والقضاء وتبييض الأموال وصفقات رجال الأعمال. وإذا تحرَّك هذا العالَم، فستبدو لعبة كرة القدم مجرّد واجهة لماكينة ضخمة لا يعلم أحد لمصلحة من تدور.

هوَت شمسُ مارادونا فلمع نجم باجو أكثر. وكان يمكن للنسخة التالية مِن كأس العالَم في أميركا عام 1994 أن تمحو الألم الأرجنتيني نهائياً، لولا إخفاق أعمدة الفريق، باريزي وباجو في تسجيل ركلتَي جزاء أمام البرازيل. مرّةً أُخرى كان الفريقان يلتقيان لفضّ الشراكة؛ ففي تلك الدورة كان عدّاد كلّ من إيطاليا والبرازيل يشير إلى ثلاثة ألقاب. حمل باجو الإيطاليّين على أجنحة الحلم طوال الدورة، فسجّل هدفاً حاسماً في كلّ مباراة، لكنه أهدر آخر تسديدة وأهدى الكأس للبرازيل.

كأنَّ الكرة التي أهدرها باجو قد ذهبت بكثير من الإشعاع الكروي الإيطالي. انتهى بها مشروع المدرّب أريغو ساكي بثورة جديدة في كرة القدم، تلك التي وصل بها مع فريق ميلان إلى قمّة الأمجاد الأوروبية. استفاق الإيطاليّون مرّةً أُخرى على حقيقة أنَّ ازدهار الدوري عندهم لا يكون إلّا على حساب قوّة المنتخب، فكلُّ نجم يأتي إلى فريق إيطالي كان يأخذ فرصة لاعب محلّي ويمنعه مِن أن يبلغ مداه.

سيستفيق الإيطاليون لاحقاً على صدمات أكبر. في عام 1998، خرجت إيطاليا ضد فرنسا التي ستفوز باللقب لاحقاً بقيادة زين الدين زيدان (لاعب يوفنتوس الإيطالي وقتها). كان الإيطاليون موصِدين أبواب المنتخب الأوّل على أبناء المهاجرين، وحدهم الإيطاليون أباً عن جد لهم الحق في ارتداء القميص الأزرق. هزيمة قاسية أُخرى ضدّ الفرنسيين في نهائي كأس أوروبا 2000 ستجبر الإيطاليّين على دخول مراجعات قاسية.

كان ماورو كامورانيزي أرجنتينياً يلعب في فريق يوفنتوس. رأى المدرّبُ مارشيلو ليبي أنه يمكن أن يفيد فريقه للعودة إلى منصّات التتويج. ورغم أن كامورانيزي ينحدر من أسرة ذات أصول إيطالية هاجرت إلى الأرجنتين إلّا أنّ أطرافاً عديدة رفضت تمثيله لإيطاليا، ولولا إصرار المدرّب ليبي وحاجته التكتيكية إليه في كأس العالم 2006 لما كان جزءاً من ذلك الفوز الذي تمّ ضد فرنسا زين الدين زيدان ذاتها، لكن إيطاليا بقيت متردّدة في منح شرف تمثيلها لغير ذوي الأصول الإيطالية، وقد أُثير ذلك بشكل واضح مع السجالات حول المهاجم ماريو بالوتيلي.

عرفت إيطاليا خيبات كثيرة بعد جيل بوفون، وكانافارو، وزامبروتا، وغاتوزو، وبيرلو، وتوتي… طوال أكثر من عقد من الزمن، لم يظهر لاعبون بنفس تلك المهارات، وافتقد الفريق روح التكامل. لا يمكن مقارنة مؤهّلات عناصر الفريق الفائر بكأس أوروبا هذا العام بمؤهّلات ذلك الجيل، وحدها الرغبة في الفوز وحسن إدارة المباريات هو ما منح هذا الجيل فرصة إيصال إيطاليا إلى القمّة مجدَّداً.

الطاقم الفنّي للمنتخب الإيطالي الفائز بكأس أوروبا 2021

(الطاقم الفنّي للمنتخب الإيطالي الفائز بكأس أوروبا 2021)

لدى متابعي كرة القدم، ثمّةَ فرح معلَن بعودة إيطاليا إلى الصف الأول. شيء ما ينقص هذه اللعبة حين يغيب الإيطاليّون. كيف نجحوا في ذلك؟ ما السرُّ الذي يقف خلف هذه القدرة الإيطالية؟ ها هُم يعودون؟ وحين يعودون يعرفون كيف يجعلون ملايين الناس في العالَم يُقاسمونهم فرحتهم. حتى مع الحزن، ينجحون في ذلك. وهل ننسى ربيع العام الماضي حين خيّم الحزن في إيطاليا فخيّم على العالم كلّه؟

كاتب صحافي وباحث من تونس، مقيم في فرنسا حالياً. يعمل منذ 2015 محرّراً في صحيفة “العربي الجديد”.

لتصلك أحدث قصصنا على بريدك الإلكتروني
التعليقات
شاركنا رأيك!
لا توجد تعليقات!

قصص رائجة

معذرة, لا يوجد محتوي لعرضه!
قصص قريبة